
في خطوة جديدة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الرباط وأنقرة، احتضنت العاصمة التركية أشغال الدورة السادسة للجنة المشتركة المغربية التركية، والتي جمعت مسؤولين من كلا البلدين في لقاء استراتيجي يُعيد تقييم حصيلة شراكة دامت لما يزيد عن 18 سنة في ظل اتفاقية التبادل الحر التي دخلت حيّز التنفيذ سنة 2006.
معالجة الاختلالات: العجز التجاري في صلب النقاش
وفق بيان مشترك، تم التأكيد أنه و رغم ما حققته اتفاقية التبادل الحر من ارتفاع ملحوظ في المبادلات التجارية بين المغرب وتركيا، والتي تقترب حاليًا من سقف 5 مليارات دولار، إلا أن الميزان التجاري ظل يميل بوضوح لصالح أنقرة، وهو ما أثار انتقادات داخلية في المغرب، لا سيما من قبل الصناعيين الذين رأوا أن الاتفاق لم يُترجم بعد إلى مكاسب حقيقية للاقتصاد الوطني.
ومن هذا المنطلق، ووفق البيان المشترك الصاد عن الاجتماع، شكّل اللقاء المشترك فرصة لتدارك هذا الخلل، حيث ركز رئيسا اللجنة، عمر حجيرة عن الجانب المغربي، ومصطفى توزكو عن الجانب التركي، على ضرورة معالجة هذا العجز عبر حزمة من التدابير الجديدة التي تهدف إلى دعم الصادرات المغربية وخلق مساحات تعاون صناعي أكثر توازنًا.
من التبادل إلى الإنتاج: مشاريع مشتركة في أفق التصنيع المشترك
وفق المصدر ذاته، ما يميز هذه الدورة السادسة هو الانتقال من مجرد التبادل التجاري إلى التفكير في نموذج تكامل صناعي، عبر إطلاق مشاريع إنتاج مشترك في قطاع النسيج، أحد أبرز القطاعات التي يمتلك فيها البلدان خبرة طويلة،و تُعد هذه المبادرة تحولا نوعيًا من شأنه أن يُسهم في توطين جزء من القيمة المضافة داخل التراب المغربي، وتوفير فرص شغل، خاصة في المناطق الصناعية الناشئة.
كما اتفق الطرفان، استنادا للبيان المشترك، على تنظيم منتدى الأعمال والاستثمار المغربي التركي، كمنصة لتقريب المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين وتكثيف الشراكات الثنائية، مع تفعيل لقاءات مباشرة بين رجال الأعمال (B2B)، بهدف تجاوز البيروقراطية وتحفيز دينامية المقاولات الصغيرة والمتوسطة في كلا البلدين.
الفلاحة على طاولة الشراكة: دعم المنتجات المغربية نحو السوق التركية
البيان المشترك، أكد أن الشق الفلاحي كان بدوره حاضرا ضمن أولويات هذا اللقاء، حيث تم الاتفاق على دعم المنتجات الزراعية المغربية في السوق التركية، وهو توجه يُفترض أن يُعزز فرص المغرب في تنويع أسواقه التصديرية، في ظل التحديات التي يعرفها السوق الأوروبي، الشريك التقليدي الأول للمنتجات الفلاحية المغربية.
تركيا، بسوقها الواسعة وطلبها المتزايد على المنتجات الغذائية، تُمثل خيارًا استراتيجيًا للمغرب، لا سيما إذا ما تم تيسير ولوج هذه المنتجات عبر تخفيف الإجراءات الجمركية وتوفير أطر قانونية وتنظيمية مشجعة.
نحو شراكة “رابح – رابح”: من الشعارات إلى تنزيل فعلي
خَلُص الاجتماع إلى التأكيد على التزام الطرفين بإرساء شراكة قائمة على مبدأ “رابح-رابح”، شعار يردده الدبلوماسيون كثيرًا، لكن التحدي الحقيقي يكمن في تحويله إلى وقائع ملموسة على الأرض، عبر اتفاقات عادلة، ومشاريع مشتركة تخلق القيمة وتُقلص من فجوة العجز التي لطالما أثارت الجدل في العلاقة الاقتصادية بين المغرب وتركيا.
استنادا للمصدر، فإن المغرب، الذي يسعى إلى لعب دور محوري في الربط بين أوروبا وإفريقيا، يحتاج إلى شراكات استراتيجية غير نمطية تُخرجه من التبعية لأسواق محددة، وتركيا، بدورها، تنظر إلى المغرب كبوابة لولوج القارة الإفريقية ضمن سياسة التوسع الاقتصادي التي تعتمدها منذ سنوات.
قراءة في الأفق: هل تُحقق الشراكة التوازن المطلوب؟
ما بعد الدورة السادسة للجنة المشتركة بين المغرب وتركيا، سيكون بمثابة اختبار فعلي لمدى قدرة البلدين على الانتقال من النوايا الحسنة إلى تنفيذ مشاريع ملموسة، فرفع المبادلات وحده لم يعد كافيًا، ما لم يُقترن بخلق نسيج إنتاجي مشترك، وفتح الأسواق، ودعم الصادرات، وتوفير فرص شغل حقيقية.
يبقى السؤال الجوهري: هل ستشكل هذه الدينامية الجديدة مدخلاً لإعادة التوازن للعلاقة الاقتصادية الثنائية؟ أم أنها ستظل مرهونة بحسابات تجارية غير متكافئة؟
الأشهر القادمة ستكون حاسمة في الإجابة عن هذا السؤال، في انتظار أن تتجسد وعود المنتدى واللقاءات الثنائية، وأن تتحول الاتفاقات الورقية إلى مصانع، وأسواق، وفرص استثمارية ذات أثر ملموس على الاقتصادين المغربي والتركي على حد سواء.