في قلب العاصمة، وتحت شمس يونيو اللاهبة، حيث يغلي الإسفلت وتضيق الأنفاس، وقف عشرات من حاملي الشهادات العليا يوم الخميس 26 يونيو أمام مقر وزارة التربية الوطنية، لا للمطالبة بالامتياز، بل لاسترجاع حق بسيط”الشغل بكرامة”.
جاؤوا من مدن بعيدة، وجاؤوا حاملين هما واحدا، أن يُنظر إليهم كمواطنين كاملي الحقوق، لا كأرقام في سجلات البطالة أو جداول “الإقصاء المُمنهج”، كما وصفوه.
اعتصام جزئي
الاحتجاج الذي تنظمه تنسيقية الكرامة لحاملي الشهادات، ليست فقط لافتات تعبر، بل عرق متصبب، ووجوه الا تُخفي تعب السنين.
حيث شهد احتجاجهم أشكالا نضالية إنذارية، أبرزها اعتصام جزئي، اعتبرته التنسيقية خطوة أولى في مسار تصعيدي قد لا يُبقي مجالا للبس أو الصمت. شعارات مدوية ارتفعت أمام مقر الوزارة، تتهم الجهات المسؤولة بالتنصل من واجبها، وتفضيل المقاربة الأمنية على الحوار الجاد.
وجاء في تصريح محمد صديق أحد الوجوه البارزة للتنسيقية، أنه ومنذ يناير الماضي، تخوض التنسيقية سلسلة احتجاجات منظمة تطالب بإدماج شامل وغير مشروط في الوظيفة العمومية، موجهة اتهامات واضحة للمسؤولين باعتماد الزبونية والمحسوبية في مباريات التوظيف، مع تغييب لمبدأ الاستحقاق وتكافؤ الفرص.
وأضاف محمد عن التنسيقية
“ما يقع في مباريات الولوج لمراكز التكوين والتعليم فضيحة بكل المقاييس”، تقول التنسيقية، مشيرة إلى ما اعتبرته “تلاعبًا سافرًا” في المناصب، وضاربة مثالًا بجامعة ابن زهر بأكادير، حيث فاحت روائح فساد لم تعد تُخفى حتى بالأوراق الرسمية.
وفي تصريح خاص، قال محمد، صديق أحد أعضاء التنسيقية:
“لسنا ضد التكوين، ولسنا ضد الإصلاح، نحن ضد أن يعامل أصحاب الشهادات كأنهم عالة على هذا الوطن، ما نطالب به هو شغل كريم وفق القانون والدستور، لا أكثر.
وتابع: لكن يبدو أن من في السلطة يعتقدون أن القمع أسهل من تقديم حلول حقيقية.”
البيان الختامي للتنسيقية حمّل الحكومة الحالية، التي تسلمت زمام المسؤولية منذ 2021، مسؤولية تعميق أزمة الشباب، عبر قرارات حرمت آلاف المؤهلين من الترشح لمباريات التعليم دون مبرر قانوني، في خرق واضح للفصل 31 من الدستور والفصل 21 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية.
كما أدانت التنسيقية بشدة ما وصفته بـ”أساليب القمع والترهيب” التي تواجه بها السلطات احتجاجاتها السلمية، مؤكدة أن هذه الأساليب لن تثني المناضلين عن الاستمرار، بل ستزيدهم إصرارًا على الدفاع عن حقهم المشروع في الشغل والعيش الكريم.
“من ينتظر تراجعنا عن هذا الحق فهو واهم”، تقول التنسيقية، مشددة على أن خطوة الاعتصام ليست سوى بداية لأشكال نضالية مفتوحة على جميع الاحتمالات، في ظل الغياب التام لأي إرادة سياسية حقيقية.
في وطن تكتب فيه الخيبات بلغة رسمية، وتُهمّش فيه الكفاءات بقرارات فوقية، لم يعد الصمت فضيلة، ولا الانتظار خيار، إن من خرجوا اليوم إلى الشارع ليسوا خصوما للدولة، بل أبناء لها، طرقوا كل الأبواب قبل أن تُجبرهم السياسات على قرع باب الاحتجاج.
المطالبة بالشغل ليست تهمة
وللاشارة الكرامة ليست ترف، ولا المطالبة بالشغل تهمة، ومن في موقع المسؤولية مطالب اليوم بأن ينصت، لا أن يتوارى خلف الجدران، فالأزمة ليست فقط في الأرقام والمؤشرات، بل في النفوس التي تُكسر كل يوم، في أحلام أجيال تتآكل، وفي وطن يخسر أبناءه واحدًا تلو الآخر.
إن كان لا بد من حوار، فليكن الآن قبل أن يصبح الجميع بلا صوت، ولا شهادة، ولا كرامة.