
في مشهد غير مألوف، استفاق سكان مدينة طنجة خلال اليومين الماضيين على وقع مفاجأة بصرية غريبة: سيارات أجرة بألوان وأرقام تسجيل إيرانية تجوب شوارع المدينة، ما أثار دهشة المارة حول سبب وجود مركبات أجنبية بهذا الشكل في مدينة مغربية تطل على مضيق جبل طارق.
غير أن السر لم يطل كثيراً، فسرعان ما تبيّن أن هذه السيارات ليست سوى جزء من ديكور سينمائي ضخم، يتعلق بتصوير الموسم الجديد من المسلسل الأمريكي الشهير “The Agency”، الذي يُعد نسخة معاد إنتاجها من العمل الفرنسي الناجح “Le Bureau des Légendes”، والذي يحظى بمتابعة واسعة من جمهور المسلسلات السياسية والجاسوسية.
طنجة… بوابة بديلة لعواصم مغلقة
كشفت مصادر إعلامية موثوقة أن طاقم إنتاج المسلسل قرر تحويل عدد من أحياء وشوارع طنجة إلى فضاء تصوير بديل لمدن في دول مثل إيران، سوريا، والسودان، والتي يصعب التصوير فيها لأسباب أمنية أو سياسية. ومن أجل خلق واقعية بصرية دقيقة، استعان الطاقم بسيارات أجرة تم طلاؤها وتزويدها بلوحات تسجيل مطابقة لتلك الخاصة بهذه الدول، ما أضفى على المشاهد المصورة طابعاً مقنعاً، يحاكي الأجواء الأصلية في تلك البلدان.
هذا ولم تقتصر عمليات التصوير على الفضاءات العامة فقط، إذ استُخدم السجن المحلي “سات فيلاج”، المغلق منذ سنوات، لتصوير مشاهد توحي بأنها تدور في السودان، وهو ما يعكس مرونة المواقع المغربية وتعدد استخداماتها في صناعة الإنتاج السينمائي العالمي.
مشاركة أسماء سينمائية لامعة
يضم مسلسل “The Agency”، الذي تنتجه إحدى كبرى شركات الإنتاج الأمريكية، نخبة من أبرز نجوم هوليوود، منهم مايكل فاسبندر و جيفري رايت، ويُشرف على إخراج بعض حلقاته ستيفن سودربرج، المخرج المتوَّج بجائزة الأوسكار، ما يمنح العمل زخماً فنياً ويعزز من قيمته الإنتاجية.
يسعى العمل إلى مزج الدراما السياسية بالجاسوسية في قالب معاصر، يحاكي واقع العلاقات الدولية وتعقيداتها، وذلك عبر سرد مهمات سرية تنفذها أجهزة استخبارات غربية في مناطق توصف بالساخنة جيوسياسياً، وهنا تبرز أهمية اختيار المغرب، وتحديداً طنجة، كمسرح بديل لتصوير هذه السيناريوهات المعقدة.
طنجة وجهة سينمائية بامتياز
ما تعيشه طنجة هذه الأيام ليس وليد صدفة، بل يعكس جاذبية المغرب، سواء من حيث البنية التحتية السينمائية أو التسهيلات الإدارية، وهو ما جعل المركز السينمائي المغربي يمنح التراخيص اللازمة لإنجاز هذا المشروع، الذي سيمتد تصويره في شوارع وأزقة مدن مغربية أخرى إلى غاية شهر شتنبر المقبل.
وتؤكد هذه الدينامية السينمائية على دور المغرب كموقع بديل لتصوير الأعمال الدولية، خاصة تلك التي تتطلب مواقع متنوعة ثقافياً وجغرافياً، وقادرة على محاكاة بيئات شرق أوسطية وإفريقية بدقة عالية.
بين الدهشة والتسويق الثقافي
الدهشة الأولى التي انتابت سكان طنجة سرعان ما تحولت إلى فضول إيجابي، بل إن بعض المارة شوهدوا يلتقطون صوراً بجانب سيارات الأجرة الغريبة، وكأن المدينة دخلت فجأة إلى عالم آخر من التجسس والمؤامرات.
يظهر هذا التفاعل الشعبي كيف يمكن للصناعة السينمائية العالمية أن تخلق روافد سياحية وثقافية غير تقليدية، إذ بات من الممكن أن تتحول مدن مغربية إلى مواقع تصوير لقصص تدور أحداثها في أماكن شديدة البُعد جغرافياً وسياسياً.