الرئسيةدابا tvصحةفي الواجهةمجتمع

موسيقى في غرفة العمليات.. متى تتحول أنغام الحياة إلى نشاز أخلاقي؟+فيديو

بقلم: بثينة المكودي

في مشهد غير مألوف، هز مقطع فيديو قصير وصاخب منصات التواصل الاجتماعي في المغرب، حيث ظهر طاقم طبي مغربي، خلال تدخل جراحي، يرقص على أنغام أغنية شعبية راقصة، وسط غرفة العمليات، الطبيب الجراح والممرضة شاركا في تلك اللحظة التي اعتُبرت “نادرة”، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى مادة للنقاش العام، بل وأثارت زوبعة من الجدل الأخلاقي والمجتمعي.

فمن جهة، لم يتأخر الغضب الشعبي، إذ عبّر كثيرون عن صدمتهم مما اعتبروه “استهتارًا” بحياة المريض، و”إهانة” لهيبة الجراحة ومكانتها كفعل إنساني نبيل محفوف بالخطر والدقة، حيث لا مجال فيه للهزل أو الرقص أو اللهو.

تشغيل الموسيقى في غرف العمليات هو أمر متعارف عليه عالميا، لتخفيف التوتر وضمان تركيز الفريق الجراحي
ومن جهة أخرى، حاول البعض الدفاع عن الواقعة، معتبرين أن تشغيل الموسيقى في غرف العمليات هو أمر متعارف عليه عالميا، لتخفيف التوتر وضمان تركيز الفريق الجراحي.

لكن  المثير في النقاش، كما تبرزه تعليقات المدونين

مأخودة من فيديو متداول

، لم يكن في وجود الموسيقى من عدمه، بل في نوع الموسيقى،  فبينما اختارت بعض المستشفيات العالمية الاستعانة بأنغام هادئة، كلاسيكية أو رومانسية، بهدف خلق بيئة نفسية مستقرة ومحفزة للتركيز، فإن ما راج في الفيديو المغربي بدا أشبه بحفلة عشوائية؛صوت مرتفع، وإيقاعات راقصة، وأجساد تتحرك، وكأن الجراحة لحظة احتفال لا لحظة مسؤولية.

هذا يطرح سؤالًا أعمق من مجرّد “هل يجوز تشغيل الموسيقى؟” ليصل إلى صلب المسألة: هل الذوق الموسيقي مهنيّة محايد أم مسؤولية أخلاقية؟ وهل ما يهمّنا هو “الكيف” أم “النتائج”؟

نعم، في نهاية المطاف، قد تكون العملية الجراحية ناجحة، وقد يخرج المريض معافى. لكن هل النجاح يبرر الوسيلة دائمًا؟ أليس من المفترض أن تعكس سلوكيات الأطر الطبية داخل غرفة العمليات احترامًا للمريض حتى في غيابه؟ وهل نملك الحق في تحوير غرفة العمليات إلى فضاء شخصي يُفرغ فيه الطبيب أو الممرضة توترهم بأي شكل يريدون؟

ربما علينا أن نطرح سؤال أكثر عمق وهو “منذ متى صارت هناك موسيقى “تغذي” وأخرى “تقتل”؟ ولماذا نحتكم إلى هذه التصنيفات النفسية دون أن نحتكم إلى حسّنا الإنساني والأخلاقي؟

الجدل لم يكن أن ينفجر لو كانت توجد علاقة ثقة بين منظومة الصحة والمواطن

الواقع أن الجدل لم يكن ليتفجّر بهذا الحجم، لولا ما يحمله من دلالات رمزية أعمق، متمثلة في هشاشة العلاقة بين المواطن ومنظومة الصحة، وفقدان الثقة في المؤسسات، وغياب الإحساس بالكرامة داخل المرفق العمومي.

المواطن، الذي يخوض معارك يومية للحصول على موعد أو عملية جراحية في مستشفى عمومي، يشعر بالإهانة حين يرى أن من يفترض أن يكونوا ملاذه الأخير، يتعاملون مع جسده وكأنه مادة عرض في لحظة ترفيه.

باختصار، لم يكن الرقص هو الجريمة، بل ما رافقه من انزلاق في المعايير، ولم يكن الصوت العالي وحده ما أزعج الناس، بل الصدى العميق لانعدام الحدود بين الحياة كقيمة، والمهنة كأمانة.

ويبقى السؤال هل نعيش زمنا صرنا نحتاج فيه إلى دليل أخلاقي حتى لنبض الموسيقى داخل قلب المهنة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى