الرئسيةسياسة

في رسالة مفتوحة لبرادة: بناء الإنسان سابق على بناء ملاعب المونديال

في رسالة مفتوحة موجهة إلى وزير التربية الوطنية، يطرح المختار عنقا الإدريسي، فاعل تربوي ذو تجربة ميدانية وإدارية واسعة، تساؤلات عميقة تهم واقع منظومة التعليم في المغرب ويربطها  بالاستعدادات لتنظيم المغرب المشترك لكأس العالم 2030.

تتناول الرسالة بشكل موضوعي ومترابط عدداً من التساؤلات والنقاط المحورية التي تعكس علاقة الرياضة بالمشروع الوطني للتربية والتعليم، من منظور يعكس أهمية بناء الإنسان المتوازن والقادر على مواكبة تحديات العصر.

تجربة تربوية واسعة ورؤية متجددة

يبدأ المختار عنقا الإدريسي رسالته بتقديم خلفيته التربوية المتنوعة التي تشمل العمل في حجرات الدرس، التفتيش، التأطير التربوي، ثم مواقع المسؤولية كنائب لوزارة التربية الوطنية وعضو في فرق إعداد وثائق وطنية للتوجهات التعليمية، فضلاً عن دوره كخبير وطني في إدماج التربية على حقوق الإنسان في المناهج الدراسية.
تشكل هذه التجربة الغنية أساساً لرؤيته التي تتجاوز مجرد تلقين المعارف إلى إعداد الإنسان وصناعة المستقبل، انطلاقاً من فكرة المدرسة كمصدر تحصين للوطن.

لحظة تاريخية واستحقاقات وطنية

يستعرض الكاتب واقع المغرب على أعتاب تنظيم مشترك لكأس العالم 2030، مؤكداً أن هذه اللحظة تمثل فرصة تاريخية ليست لتجميل الواجهة فقط، بل لبناء مغرب قوي ووازن.
ويرى أن الرياضة لا تتشكل فقط في الملاعب، بل تبدأ في الفصول الدراسية من خلال بناء قيم الانضباط وتنشئة عقلية جماعية تؤسس لهوية ومواطنة فاعلة.

التساؤلات المحورية حول التربية والرياضة

جاءت هذه الرسالة لتسائل وزارة التربية الوطنية وأطرها المركزية حول موقع المدرسة المغربية من المشروع الوطني الذي يمثله مونديال 2030، معتبرًا أن هذه اللحظة التاريخية ليست فقط فرصة للتباهي أو تزيين الواجهة، بل محطة حاسمة لإعادة طرح سؤال النموذج التنموي الحقيقي: هل نُعِد أنفسنا لبناء مغرب قوي ووازن؟ أم نكتفي بتلميع الصورة وترك الأعماق على حالها؟

و في هذا السياق، يركز الإدريسي على جملة من التساؤلات التي تمس جوهر العلاقة بين التعليم والرياضة الوطنية:

* كيف يمكن انتظار كرة قدم وطنية محترفة في ظل نقص واضح في الأساتذة المؤهلين والمواكبين للتطورات البيداغوجية، فضلاً عن ضعف التجهيزات المدرسية؟

* كيف نعد أبطال الغد في مدارس تفتقر للبنيات الرياضية، حيث كثيراً ما تُهدر حصص التربية البدنية أو تُستبدل بأنشطة أخرى؟

* كيف نغرس في الأجيال قيم المنافسة الشريفة والاحترام إذا كانت المدرسة نفسها عاجزة عن حماية التلاميذ من العنف والإقصاء؟

* أين هو مشروع دمج الرياضة المدرسية في سياسة وطنية شاملة تربط بين القدرة البدنية والتحصيل المعرفي، وتعامل التلميذ كعقل وجسد معاً؟

* كيف نفسر ميزانيات بعض النوادي الرياضية التي تفوق ميزانيات المديريات التعليمية، مع بقاء المؤسسة التربوية هي المصدر الأساسي لإعداد المواهب؟

تنظيم المونديال ورهان بناء الإنسان

يوضح الإدريسي أنه لا يعارض تنظيم المغرب لكأس العالم، بل يعتبره خياراً وطنياً ومصدر فخر، لكنه يؤكد أن لا معنى لهذا الإنجاز الرياضي دون منظومة تعليمية مواكبة للعصر، تهيئ أجيالاً مؤهلة أخلاقياً، بدنياً وثقافياً لمواجهة المنافسات العالمية، ويشدد على أن الرهان الحقيقي يكمن في بناء الإنسان المتوازن المسؤول المبدع، والذي يستحضر قيم المواطنة الحقة، وهذا لا يتأتى إلا بإبقاء المؤسسة التربوية مصدراً للمواطنة، وحاضنة للمواهب، ونواة للتنمية القاعدية.

دعوة لإصلاح تربوي شامل وشراكة واسعة

في ختام رسالته، دعا المختار عنقا الإدريسي إلى الانفتاح على الطاقات التربوية، لا سيما المتقاعدين ممن راكموا خبرات مهنية عميقة في مختلف المواقع، باعتبارهم رصيداً غنيّاً يمكن أن يشكل قوة اقتراحية ومجالس استشارية للمساهمة في ورش الإصلاح التربوي.

ويرى أن الإصلاح الحقيقي لا يكون من خلال إعلانات موسمية أو خطط معزولة، بل عبر رؤية وطنية متكاملة تُشرك الجميع، تربط بين القيم والممارسة، وتحقق توازن بين الرياضة والتعليم، وبين الحلم والمشروع.

تمثل هذه الرسالة التربوية المفتوحة منطلقاً للتفكير في علاقة الرياضة بالمشروع الوطني للتربية والتعليم، وتبرز أهمية بناء الإنسان بجوانبه المعرفية والقيمية والبدنية كمدخل ضروري لتحقيق النجاحات الكبرى على الساحة الدولية، بما فيها استضافة بطولة كأس العالم 2030.،

كما تعكس الرؤية الحاجة الملحة لإصلاح تعليمي حقيقي يعزز القيم الوطنية ويرسخ مواطنة فاعلة، قبل التطلع إلى إنجازات رياضية على المستوى العالمي.

بين حماس مشروع مونديال 2030، ومخاوف تعثر المدرسة الوطنية، تدعو هذه الرسالة إلى لحظة تأمل جماعي. فهي لا تُعارض تنظيم المونديال، بل تراه فرصة تاريخية لتصحيح المسار، شرط أن ننطلق من الجذور لا من القشور. من المدرسة قبل الملعب. ومن الإنسان قبل الإنجاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى