الرئسيةثقافة وفنون

“سميّة” لوضّاح شرارة.. بورتريه سردي منفتح على التعميم

 الايام الفلسطنية: كتبت بديعة زيدان

“ما عدا السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة من عمرها، الذي شارف قرناً تامّاً، بين غداة الحرب العالمية الأولى ومطلع حروب المئة عام الشرقية، زاولت سميّة التدريس، الابتدائي على أرجح الظن، بل الابتدائي من غير شك.. وفي السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، وهي تلك التي تلت موت زوجها الذي كان في سنّها تقريباً، انكفأت سميّة على نفسها.. وظهرت علامات انكفائها وانسحابها من عالمها السابق، العالم الذي تشاركناه هي ونحن وهم، على عبارات وجهها، وعينيها وعادات جسمها، وأوقات صمتها ونومها ويقظتها، وكلماتها القليلة في طيّات أنفاسها ونظراتها الزائغة والمستعجلة التحاف النوم وحرارته وسكينته”.

يمكن اعتبار رواية “سميّة” لوضاح شرارة، المعروف بكتاباته التاريخية والأكاديمية، بورتريهاً لـ”سميّة رميزان”، الشخصية المحورية في الرواية، والتي يدور السرد كما الشخوص الأخرى في فلكها.

وتتتبع الرواية، الصادرة عن دار “نوفل” دمغة الناشر “هاشيت أنطوان” في العاصمة اللبنانية بيروت، حياة سميّة اليومية، والقرارات التي اتخذتها في علاقاتها الزوجية والعائلية والوظيفية، والتي تعكس التحولات الجوّانية في تكوين شخصيتها ونظرتها إلى العالم.

وتسلط الرواية الضوء بشكل لافت على العلاقات الإنسانية لسميّة: كأم، وزوجة، وابنة، وعاشقة، بحيث تظهر تلك السيدة متقلبة المشاعر أحياناً، وصارمة ومتجلّدة في مواقف أخرى، متطرقة لتفاصيل علاقتها بزوجها وانفصالها، وحضانتها لابنها، وصولاً لما يتعلق بالمساكنة، مُبرزاً غيابه في حياة ابنها “نهار”، ما يعكس تأثير المجتمع الأبوي.

يقدم سمية شرارة عجوزاً في مطلع الرواية

وتدور حكاية رواية “سميّة” حول الشخصية التي تحمل الرواية اسمها، ويقدمها شرارة عجوزاً في مطلع الرواية، قبل أن ينتقل بنا عبر السرد إلى استعراض تفصيلي لقصة حياتها منذ شبابها وحتى شيخوختها.

وعلى الرغم من كون سميّة شخصية متخيلة، إلا أن سيرتها وما تمرّ به من أحداث وقرارات، يجعلها رمزاً لشريحة كبيرة من النساء، خاصة اللواتي عاصرن الحربين العالميتين وما بينهما وما بعدهما، بحيث لا تكتفي “سميّة” الرواية بسرد الأحداث، بل تتعمق في دواخل النفس البشرية للمرأة العربية عامة.

تبدأ سميّة كفتاة تنتمي للمدينة، وتعيش تجاربها الأولى فيه، تتأثر بشدة بالتحولات التي يشهدها المجتمع والمدينة من حولها، هي التي تتخذ قرارات جريئة وغير تقليدية بالنسبة لزمانها، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها الشخصية والزوجية، والتي يمكن وصفها بالمعقدة، مشكلة نقطة ارتكاز في استكشاف علاقاتها المتشابكة تبعاً لأدوار النسوية المتعددة، فالرواية تُبرز تفاصيل زواجها وانفصالها، وكيف تعاملت مع حضانة ابنها “نهار”، علاوة على على علاقتها بوالدها، ومفهوم “المساكنة” في حياتها، ما يؤشر على تحررها النسبي أو خياراتها غير التقليدية، في تلك الحقبة الزمنية التي عاشتها وعايشتها.

وكان لافتاً عدم تحديد مكان واقعي بعينه، بحيث استخدم شرارة مدينة “الرمدة” كجغرافيا مفترضة، ما يتيح للقارئ ربط الأحداث بمجتمعه الخاص به، ما يجعل الرواية ذات طابع شمولي، وتتجاوز الحدود الجغرافية المصطنعة بين الدول والشعوب، ما يجعل “الرمدة” ليست مجرد خلفية للأحداث، بل جزءاً لا يتجزأ من حبكة الرواية، ومرآة تعكس التغيرات الاجتماعية التي تعيشها “سميّة”.

للغة لا تبتعد عن خبرة شرارة في الأكاديميا والتأريخ

لكن العديد من العوامل داخل السرد حالت دون التواصل السلس معها، ليس بمفهوم الاستسهال بقدر مغناطيسية الجذب، فاللغة لا تبتعد عن خبرة شرارة في الأكاديميا والتأريخ، بحيث يمكن وصفها بفلسفية الطابع، ما يجعلها صعبة على القارئ، الذي قد يشعر البعض معها بالإرهاق جرّاء التركيبات اللغوية غير السائدة، بل والملل أحياناً، تبعاً لسلحفائية السرد، وغياب التشويق في عديد جوانبها، فالتركيز هنا لصالح الشخصية المحورية على حساب الحدث، حتى أن القارئ قد يشعر بأنها أقرب إلى دراسة لشخصية سميّة، لا سرداً روائياً، بحيث لا تصاعد أو تشويقاً دراميّاً.

وهذا لا يقلل من أهمية “سميّة” الرواية، التي يقدّم شرارة فيها تمثيلاً لصورة جيل كامل من النساء، بحيث تبدأ الرواية بسميّة العجوز، لتأخذنا بعدها في رحلة استعادية عبر حياتها منذ بداياتها، مسلطة الضوء على قراراتها ومواقفها التي كانت قوية وغير سائدة في عصرها، ليؤكد لنا أن “سميّة هي ابنة المدينة التي تشهد تحولات اجتماعية عميقة تؤثر بشكل كبير على شخصيتها”.

ويمكن اختصار القول بأن رواية “سميّة” هي حكاية امرأة قوية ومتميزة، تعيش يوميّاتها بشروطها الخاصة، وتتفاعل مع محيطها الاجتماعي والسياسي، باستقلالية، ولو نسبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى