الرئسيةروبرتاجمجتمعمغاربية

من الاعتداء إلى الشغب: من أشعل نار الكراهية في توري باتشيكو الاسبانية؟+فيديو

بقلم: بثينة المكودي

في مشهد يذكر بليالي الشغب العنصري التي لطالما طمحت اوروبا الى تجاوزها، تحولت بلدية توري باتشيكو التابعة لاقليم موريسيا الاسباني، منذ منتصف يوليو الجاري، الى بؤرة توتر غير مسبوقة، اثر اندلاع موجة عنف غير مبررة استهدفت الجالية المغاربية، وعلى راسها المغاربة، الذين يشكلون نسبة معتبرة من سكان المدينة.

خلفية الحادث: اعتداء فردي يتحول الى شرارة جماعية

بدأ كل شيء في صباح يوم 10 يوليوز الجاري، حينما تعرض حسب ادعاءات الاعلام الاسباني ، (يوثقها فيديو  غير دقيق مجهول الزمان والمكان )،رجل مسن يدعى “دومينغو” (68 عاما) لاعتداء جسدي في احد ازقة توري باتشيكو اثناء مزاولته رياضته اليومية، سرعان ما انتشر فيديو يوثق الحادث على وسائل التواصل، حيث ظهرت وجوه 3 شبان  من اصول مغاربية  وهم يركلون الرجل بطريقة عنيفة، ما اثار موجة غضب واسعة.

وبالرغم من توقيف المعتدين الثلاثة خلال ساعات من الواقعة، لم تهدأ وتيرة التحريض، بل تحولت الى دعوات ممنهجة للانتقام و”تطهير المدينة”، كما جاء في منشورات لمجموعات متطرفة على تطبيق “تيليغرام”، لا سيما قناة “Deport Them Now Europe”، التي تضم الاف الاعضاء، والتي حرضت بشكل مباشر على مطاردة المهاجرين.

هجوم على دون كباب

ليال من الرعب: حين استبدل القانون بالفوضى

ابتداء من ليلة السبت 12 يوليو وحتى الثلاثاء 15 يوليو، شهدت المدينة تصاعدا غير مسبوق في اعمال العنف، حيث مجموعات متطرفة من الشباب الاسبان خرجت في شكل ميليشيات شعبية، مدججة بالعصي والحجارة، وهاجمت متاجر ومطاعم مملوكة لمغاربة، ابرزها مطعم “دون كباب” الشهير، الذي تم تكسير واجهته وتخريب محتوياته.

جدير بالذكر أن قوات الشرطة تدخلت باستخدام الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المشاغبين، بينما سجلت عدة اصابات في صفوف المهاجرين والسكان، وجرى توقيف 14 شخصا، من بينهم اسبان ومغاربة، وسط حالة من الخوف الشامل، دفعت عددا من الأسر المغربية الى مغادرة منازلها مؤقتا.

من التحريض الى التنسيق العنيف: معطيات خطيرة

أخطر ما كشفت عنه التحقيقات، ان بعض أعمال الشغب لم تكن عفوية، بل كانت منسقة عبر مجموعات على الانترنت، فقد اعتقلت الشرطة يوم 17 يوليوز، الشاب كريستيان ل ف، البالغ من العمر 29 عاما، بمدينة ماتارو في كتالونيا، بعدما ثبت تورطه في التحريض العلني على مهاجمة المهاجرين، وتنسيق مجموعات للمشاركة في احداث العنف، كما ضبطت بحوزته اسلحة بيضاء ومنشورات عنصرية.

هذا وفتحت النيابة العامة باقليم موريسيا بدورها تحقيقا في خطاب الكراهية الموجه من طرف قيادي بحزب “فوكس”اليميني المتطرف، بعدما نشر سلسلة تدوينات حمل فيها “لمغاربة مسؤولية الانفلات الأمني “، وهو ما اعتبر تحريضا مباشرا ضد فئة بعينها على اسس عنصرية.

أصوات من الداخل: مهاجرون يتحدثون

من قلب الأزمة، برزت اصوات مهاجرة تسجل روايتها الخاصة لما جرى، رافضة صورة المهاجر المجرم التي روجت لها بعض المنابر السياسية والاعلامية،

 عمر، شاب مغربي من مواليد توري باتشيكو، قال “المتطرفون جاؤوا من خارج البلدية لاستفزازنا، لانهم يعرفون اننا نعيش هنا؛ والا لماذا ياتون؟”.

شهادته تعزز الفرضية القائلة بان جزءا من العنف لم ينبع من السكان المحليين بل من تنظيمات خارجية.

اما فاطمة، وهي طبيبة مقيمة بالمدينة، فوصفت المشهد بانه “عنف اطفال محبطين”، مضيفة “انا امنع ابناء اخوتي من الخروج… بدل ان نتساءل لماذا هم هناك، يطردون ويلاحقون”. كلماتها تعكس شعورا بالخوف والخذلان، خصوصا لدى الاسر التي قضت سنوات من الاندماج في المدينة.

وعلى منصة “ريديت”، كتب مهاجر بلغة ساخطة إذا كانت ردة فعلك على اعتداء من ثلاثة اشخاص مغاربة هي ان تخرج لتضرب اي مغربي تجده، فانت غبي تماما… هذا سلوك همجي من زمن اخر”.

العبارة التي تفاعل معها الالاف، تعكس رفضا واسعا من طرف كثيرين، مهاجرين واسبان، لمنطق العقاب الجماعي.

السلطات تتحرك: بين المسؤولية والاداء المتاخر

في ظل تصاعد الانتقادات لبطء تعامل السلطات مع الاحداث في بدايتها، خرج وزير الداخلية “فرناندو غراندي مارلاسكا” يوم 18 يوليوز،بتصريحات حاسمة، معلنا ادراج جرائم الكراهية ضمن اختصاصات وحدات مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة، مع توسيع صلاحيات الشرطة في تتبع الحسابات والمجموعات المحرضة.

هذا واعطى تعليمات مباشرة لتفعيل بروتوكولات الشرطة المحلية المرتبطة بمناهضة الكراهية، والتي كانت مقررة في الاصل لتطبق بحلول سنة 2028، في محاولة لاعادة الثقة الى السكان واعادة الهدوء الى المدينة.

وقرّر  فرناندو غراندي مارلاسكا، يوم 17 يوليوز، توسيع صلاحيات وحدات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (CITCO) لتشمل جرائم الكراهية، مع تعزيز مراقبة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام أدوات رقمية مثل “Perci”، وتشديد التنسيق داخل مركز تنسيق معلومات التطرّف  (CCIR)، فضلا عن إصدار تقارير نصف شهرية لرصد خطابات الكراهية.

وفي اليوم نفسه، اعتقلت الشرطة قائد مجموعة “Deport Them Now UE”، المدعو “C. L. F.”، بمدينة ماتارو، بتهمة التحريض على  مطاردة المهاجرين، وارتكاب جرائم كراهية، إلى جانب حيازة أسلحة محظورة، وقد صدر في حقه قرار قضائي بإيداعه السجن الاحتياطي.

وفي خطوة موازية، طالبت السلطة الإقليمية بموريسيا بإنشاء مركز دائم للشرطة الوطنية داخل توري باتشيكو، بهدف مواجهة بؤر التحريض والعنف مستقبلًا، بينما فتحت النيابة العامة الخاصة بجرائم الكراهية تحقيقًا مع قيادي في حزب Vox بعد تصريحات ربط فيها الجالية المغربية بارتفاع معدلات الجريمة، في اعتراف رسمي بوجود تحريض سياسي يُغذّي الشحن العنصري ضد المهاجرين

الجالية المغربية ترد: لا للانتقام، نعم للتعايش

من جهتها، عبرت الجالية المغربية عن صدمتها من حجم الاستهداف الاعلامي والسياسي الذي تعرضت له، رغم كونها  في الغالب ضحية اكثر من كونها طرفا في العنف، ووجه  جمعويون مغاربة الدعوة الى التهدئة، رافضين الدخول في أي  ردود فعل انتقامية، مؤكدين ان “توري باتشيكو ملك سكانها، دون تمييز”، وأن الأمن يجب ان يبنى على العدالة، لا على الإقصاء”.

تحليل حقوقي: عنف مؤسس على الهوية

الخبير في قضايا الهجرة ميغيل انخيل اغيلار

يؤكد الخبير في قضايا الهجرة وحقوق الانسان، ميغيل انخيل اغيلار، المدعي العام المتخصص في جرائم الكراهية، ان ما جرى في توري باتشيكو « يتجاوز مجرد اضطراب امني »، معتبرا أن الخروج المنظم لمطاردة المهاجرين هو انتهاك خطير للكرامة الانسانية ، ويشكل تهديدا للسلم المجتمعي الاسباني برمته.

وحذر اغيلار من تنامي ظاهرة “العدالة الشعبية الموجهة” التي تنطلق من وقائع فردية لتعميم الادانة على فئة سكانية بكاملها، داعيا الى تفعيل الحماية الدستورية للمهاجرين، ومحاسبة المحرضين بغض النظر عن مناصبهم او انتماءاتهم الحزبية.

هل تتحول الازمة الى يقظة؟

تجدر الاشارة إلى أن احداث توري باتشيكو أظهرت هشاشة التعايش في بعض المناطق الاسبانية ذات التركيبة السكانية المتنوعة، كما كشفت عن ضرورة تحصين المجتمع ضد موجات التحريض الرقمي والتطرف اليميني المتصاعد.

وما جرى ليس مجرد شغب عابر، بل لحظة اختبار حقيقية للمنظومة القانونية الاسبانية، ولقدرتها على حماية التعدد، وانفاذ القانون ضد خطاب الكراهية، قبل ان تتفشى العنصرية المنظمة على حساب العدالة والعيش المشترك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى