
على بُعد 30 كيلومترا فقط من مدينة أكادير، يتوارى خلف التلال الخضراء والممرات الصخرية موقع طبيعي يستحق اسمه عن جدارة: وادي الجنة، المنتجع الجبلي الواقع تحت نفوذ جماعة إيموزار إداوتنان، والذي لطالما شكل قبلة لعشاق الطبيعة من السياح الأجانب، في وقت ظل فيه مغيّباً عن أجندة السياحة الداخلية، ومهمشاً في مخططات التنمية المجالية لجهة سوس ماسة.
فبالرغم من ما يتمتع به من مناظر طبيعية آسرة تشمل شلالات صغيرة، و أحواضاً مائية ومسابح صخرية نادرة، إضافة إلى تنوع نباتي يضفي على المكان سحراً فريداً من نوعه (نخيل، موز، زيتون، تين…)، لم يحظ وادي الجنة طيلة سنوات سوى باهتمام فردي من بعض الزوار أو الفاعلين المحليين، بينما ظل غائباً عن برامج التأهيل الجاد، إلى أن تقرر أخيراً وضعه ضمن مشاريع التنمية السياحية للجهة.
تهيئة متأخرة لفرشة سياحية استثنائية
أعلنت شركة التنمية السياحية سوس ماسة عن انتهاء الشطر الأول من مشروع تهيئة وادي الجنة، في تزامن لافت مع تنظيم فعاليات “مهرجان العسل” بجماعة أقصري، ويروم هذا المشروع، حسب القائمين عليه، تعزيز تجربة الزوار وتحسين الولوج إلى الفضاء الطبيعي وتوفير الحد الأدنى من البنية التحتية والخدمات الأساسية.
في تصريح رسمي، كشف عبد الكريم أزنفار، رئيس شركة التنمية السياحية، عن تفاصيل الشطر الأول الذي تضمن تطوير مسار سياحي بطول 3 كيلومترات يسمح لعشاق التجوال والمشي في الطبيعة بالتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة في ظروف آمنة، كما تم إنشاء ثلاث مواقف للسيارات لتجنب الفوضى المرورية التي كانت تشهدها جوانب الطريق المؤدية إلى قلب الوادي.
فضلاً عن ذلك، شملت التهيئة أيضا تثبيت أكشاك تعريفية تقدم للزوار معلومات حول الموقع، إلى جانب بناء مرافق صحية عمومية، وتهيئة فضاء مخصص لألعاب الأطفال، ما من شأنه أن يحول المكان إلى فضاء عائلي يستجيب لمتطلبات الزوار المحليين والدوليين.
الشطر الثاني: وعود بتقنين الفوضى التجارية
وبالرغم مما تحقق في الشطر الأول، فإن أعين المتتبعين تتجه إلى الشطر الثاني من المشروع، والذي ما زال ينتظر التنزيل الفعلي، ويتعلق الأمر بإحداث أكشاك موحدة ومقننة لأرباب المقاهي والمرافق التجارية المنتشرة بشكل عشوائي على طول المسار، في خطوة تهدف إلى تحسين جودة الخدمات السياحية وتنظيم النشاط الاقتصادي بالوادي، والحد من المظاهر التي تؤثر سلباً على صورة المكان.
إلا أن مراقبين محليين يشككون في جدية تنزيل هذا الشطر الثاني، مشيرين إلى أن تجارب سابقة في المنطقة أبانت عن تعثر دائم في التنزيل الكامل للمشاريع، خصوصاً تلك التي تتطلب تنسيقاً بين مختلف الفاعلين المحليين والمهنيين.
مفارقة أكادير: الجمال القريب والمغيب
رغم أن وادي الجنة لا يبعد سوى 30 كيلومترا عن أكادير، إلا أن فئة واسعة من سكان المدينة لا تعرف عن الموقع سوى الاسم، وبعض الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج للمكان كجنة طبيعية خارج البلاد. ويعكس هذا الأمر فشل الترويج الداخلي للمواقع السياحية، بل وغياب أي استراتيجية سياحية موجهة للسياحة المحلية.
وإن كان الموقع قد نجح في جذب سياح أجانب، فإن استفادة الساكنة المحلية تبقى ضعيفة، سواء على مستوى التشغيل أو الاستثمار، في ظل غياب رؤية تنموية شمولية تدمج وادي الجنة ضمن شبكة المواقع الطبيعية ذات القيمة الاقتصادية والبيئية في الجهة.
وجهة واعدة تنتظر إنصافها
مع تحسن البنية التحتية وتوفر بعض المرافق الأساسية، بدأ وادي الجنة يستعيد وهجه ويُعيد تموقعه كوجهة سياحية مثالية للعائلات ومحبي الاسترخاء والطبيعة، ويمكن للزوار اليوم ممارسة أنشطة متنوعة، كالتجوال، السباحة في المسابح الطبيعية، والتقاط الصور في مشاهد قد لا تجد لها مثيلاً إلا في مناطق نائية من أوروبا أو آسيا.
لكن هذه العودة تظل هشة، ما لم تقترن بإرادة سياسية ومجتمعية لتحويل وادي الجنة إلى قطب سياحي بيئي مستدام، قائم على مقاربة تشاركية تشمل الساكنة المحلية، وتحترم الخصوصية البيئية والثقافية للمكان، بدل تحويله إلى مجرد منتجع موسمي تلتهمه العشوائية بعد نهاية كل صيف.
فهل تستفيق الجهات المسؤولة لتمنح الجنة المغربية ما تستحقه من اهتمام؟ أم أن هذا الجمال سيظل “مخفياً” عن أعين المغاربة، ومكشوفاً فقط لعدسات السياح الأجانب؟