الحلقة الأولى
يطبع النقاش الجاري حول مشروعي قانونين للصحافة ضجيجا كثيرا، في فضاءات جد محدودة، وخلال مسافة يبدو أنها جد قصيرة.
الأمر يتعلق بمشروع قانون للمجلس الوطني للصحافة، الذي تسير شؤونه، منذ سنتين، لجنة مؤقتة، و شروع قانون يتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين. هذا الأخير، يشهد نقاشا محدودا واهتماما متواضعا، لأنه يتعلق بالطرف الضعيف، ربما، أي الطرف الذي من المفترض أن يشكل النواة الأساسية للعمل الصحفي؟؟. بينما مشروع القانون الأول فقد أحيط باهتمام وبرعاية مفرطتين لأن المجلس فيه منافع و مزايا، تستحق أكثر من هذا السجال؟.
المشروعان طرحا في ظرفية دقيقة أهم ما يميزه هيمنة المال والسياسة
المشروعان طرحا في ظرفية دقيقة يمر منها المشهد الإعلامي بالمغرب، على عدة مستويات. أهم ما يميزه هيمنة المال والسياسة، استمرار لازمة الهشاشة، الريع، التشرذم، والتدافع من أجل تحقيق منافع شخصية، ولو عبر الدوس على قواعد وأخلاقيات المهنة. ودوليا، لم تعد حرية الإعلام على أحسن ما يرام، لم تعد مغرية وتوصف بأنها لا تستحق أن تكون نموذجا. وفي الخلاصة، الحريات هناك تمر بدورها من محنة.
قبل سنتين، حصل نفس الضجيج مع إحداث اللجنة المؤقتة، ومن طرف نفس الأوساط، تقريبا، التي تحتج، اليوم، وبقوة، على ماذا؟ على عدم فتح مشاورات حول التعديلات، وبسبب سرعة الحكومة في إحالة المشروعين على البرلمان، للمصادقة عليهما. بمعنى آخر، الاحتجاجات تطالب بتمديد عمر اللجنة المؤقتة، من أجل فتح المجال للنقاش والتشاور، وتراجع الحكومة عن مقترح التعديلات، التي لم ترق للأوساط المحتجة، أو فرض تعديلات مستحسنة من لدن النواب.
الغائب في النقاش هو التزام الصمت حول تجارب مجالس الصحافة في العالم
الغائب في نقاش الأوساط الرافضة هو عدم جهرها ببعض الحقائق. على سبيل المثال، إن العديد ممن يتزعمون “جبهة الرفض” كانوا أعضاء في المجلس سالفا أو كانوا يتعاملون معه وبمقابل مهم، وهؤلاء يدركون، أفضل من غيرهم، أن قانون المجلس ينص على أن من مهامه: “اقتراح الإجراءات التي من شأنها تطوير قطاع الصحافة والنشر وتأهيليه وتحديثه”، ويدركون أكثر أن اللجنة المؤقتة حددت، سلفا، أجلا لتلقي الاقتراحات من طرف الهيئات التي يعنيها تجويد قوانين مدونة الصحافة والنشر لعرضها على الحكومة، كما ينص على ذلك قانونها. وهو ما تم، بما له وما عليه.
الغائب في النقاش، أيضا، هو التزام الصمت حول تجارب مجالس الصحافة في العالم. بعض المتحمسين من داخل الرافضين على علم بدراسة معمقة أنجزتها اللجنة المؤقتة حول ذات الموضوع، ولم يستأنس بها أحد. الدراسة خلصت إلى أنه لا يوجد في العالم لوصفة جاهزة جذابة، وأن لا وجود لمجلس أحدث على أساس الانتخابات كصيغة وحيدة. كل المجالس، في الجمهوريات والملكيات، تأسست عن طريق الاعتماد والتعيين والانتخاب، سواء من صانعي القرار أو من داخل تنظيمات المهنيين.
وجل المجالس في العالم تختلف من حيث الأهداف وطريقة التمويل، وتتكون من صحافيين وناشرين مؤهلين، ومن أكاديميين وقضاة، لهم ذراية، ومن ممثلي هيئات الجمهور المهتمة بالإعلام ورصد هفواته.