اقتصادالرئسية

التضخم يتمدد..وجيوب المواطنين تستنزف: بين أرقام المندوبية وواقع الأسواق

كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن تسجيل الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك لشهر يونيو 2025 سجل زيادة بنسبة 0.4% مقارنة بشهر ماي الماضي، بينما قفز مؤشر التضخم الأساسي بنسبة 2.0% في شهر واحد فقط، وكأن القدرة الشرائية قررت أن تقفز من نافذة الأمل.

الغذاء أولاً… ولكن ليس في متناول الجميع

إذا كانت الأرقام تتحدث، فإنها اليوم تصرخ، فالارتفاع المسجل في المؤشر العام يعود، أساساً، إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 0,8 % ، وهي نسبة قد تبدو متواضعة للبعض، لكنها تعني الكثير حين نعلم أن الزيادات طالت اللحوم (+4%) والأسماك (+3,9%) والفواكه (+3,1%)، وكلها عناصر أساسية في أي نظام غذائي متوازن، أو بالأحرى “كان متوازناً” قبل أن تبتلع الأسعار آخر ملامحه.

وحتى “لحظات المتعة البسيطة” التي يجدها المواطن المغربي في كوب شاي أو قهوة، لم تسلم من موجة الغلاء، إذ ارتفعت أسعار القهوة والشاي والكاكاو بـ1,8% ، أما الحليب والجبن والبيض، فقد عرف بدوره ارتفاعاً بـ0,2% ، لتتوسع لائحة “الممنوعات” التي أصبحت خارج متناول شرائح واسعة من المغاربة.. في واقعٍ يُكذب الأرقام الباردة حينما تصطدم مع حرارة الأسواق.

المحروقات… نار خفيفة لكن ثابتة

في باب المواد غير الغذائية، سجلت أسعار المحروقات ارتفاعاً طفيفاً بـ0,3%.. ارتفاع “بلا صوت”، لكنه كفيل بأن يشعل سلسلة زيادات غير مباشرة في النقل والخدمات، حتى وإن لم تظهر كلها في مذكرة المندوبية، فالمواطن يعرف أن المحروقات ليست فقط للسيارات، بل وقود لكل شيء: من الخبز إلى الخضر إلى ” النقل المدرسي “..

المدن… من يتصدر خريطة الغلاء؟

جغرافياً، كانت العيون وبني ملال في صدارة ارتفاع الأسعار بـ1,0%، تليهما كلميم بـ0,9% ووجدة بـ0,8%، في وقت سجلت فيه الدار البيضاء ارتفاعاً بـ0,4%، والرباط وتطوان بـ0,3%، بينما تنفستا مدينتي القنيطرة وآسفي الصعداء بتراجع طفيف بـ0,1%،وكأنهما تتنفسان على استحياء في زمن الغرق الجماعي.

سنوياً… التضخم يمشي على رؤوس أصابع الاقتصاد

على أساس سنوي، مقارنة مع يونيو 2024، ارتفعت الأسعار بـ0,4%، والمواد الغذائية بـ0,8%، بينما المواد غير الغذائية بـ0,1%، لكن المفارقة الساخرة تكمن في تراجع أسعار النقل بـ3,4%، في مقابل ارتفاع المطاعم والفنادق بـ3,8%، ربما النقل لم يعد ضرورياً بعد أن أصبح “الخروج” من المنزل نفسه مكلفاً.

التضخم الأساسي: الرقم المخيف في المعادلة الاقتصادية

في هذا السياق، يُعد المؤشر الأكثر إثارة للقلق هو مؤشر التضخم الأساسي، الذي يستثني المواد ذات الأسعار المقننة والمتقلبة، إذ قفز هذا المؤشر بـ2.0% في شهر واحد فقط، وهو ارتفاع غير مسبوق في سياق تعاني فيه اقتصاديات دول كثيرة من تباطؤ التضخم..

وعلى أساس سنوي، سجل التضخم الأساسي ارتفاعًا بنسبة 1.1%، ما يشير إلى استمرار ضغوط التضخم على أسعار السلع والخدمات الأساسية.

الواقع أبلغ من المذكرة

رغم محاولة الأرقام لعب دور الوسيط المحايد، فإن الواقع يُظهر أن المواطن المغربي بات يعاني من “تضخم متعدد الأوجه”: غذائي، خدماتي، نفسي وحتى سياسي..

فكلما ارتفعت الأسعار، اختفت التفسيرات الحكومية وتلاشت وعود الإصلاح.. وأمام هذا المشهد، يبدو أن المؤشر الوحيد الذي لا يتغير هو صبر المواطن… الذي بدوره له سقف، وقد بات على وشك الانهيار.

تصريحات في صلب الموضوع

قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد البقالي: “القفزات الأخيرة في مؤشر التضخم الأساسي تشير إلى أن المغرب دخل مرحلة أكثر خطورة من قبل، حيث أصبح التضخم متجذراً في سلوكيات السوق وليس مجرد رد فعل مؤقت.. لا بد من تدخل حكومي سريع وفعال للحد من المضاربات وضبط أسعار المواد الأساسية.”

من جانبها، عبرت جمعية حماية المستهلك عن “قلقها الكبير تجاه تأثير هذه الزيادات على الأسر ذات الدخل المحدود، ودعت إلى إطلاق برامج دعم مباشر وتخفيضات ضريبية على المواد الأساسية للحفاظ على تماسك السوق واستقرار الحياة اليومية للمواطنين.”

فهل نحتاج إلى مذكرة أخرى لنعرف أن الحياة أصبحت أغلى مما ينبغي؟ أم أن “المذكرة الحقيقية” تُكتب كل يوم على وجوه الناس؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى