الرئسيةمجتمع

“عقد جديد أم تلميع مؤقت؟.. الCMR يمدد الشراكة مع الدولة حتى 2027

أعلن مجلس إدارة الصندوق المغربي للتقاعد، خلال اجتماعه المنعقد بالرباط برئاسة وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، موافقته على الشروع في إعداد عقد برنامج جديد مع الدولة للفترة الممتدة من 2025 إلى 2027.

و تأتي هذه الخطوة، في توقيت مثالي لتأكيد “الاستمرارية” و”الانخراط المسؤول”، دون الغوص في عمق الأزمة الهيكلية التي تنخر جسد أنظمة التقاعد في المغرب منذ سنوات.

التقاعد في المغرب… إصلاح يتيم في غرفة الانتظار

بالرغم من أن وزيرة الاقتصاد والمالية قدمت لأعضاء المجلس ما وصفتها بـ”خلاصات” اجتماع اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد، المنعقد بتاريخ 17 يوليوز الجاري برئاسة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، إلا أن البيان الرسمي لم يُفصح عن مضمون هذه الخلاصات ولا عن مآل النقاشات الكبرى التي وعد بها المسؤولون منذ سنوات.

المفارقة أن هذه الاجتماعات تُعقد تحت شعار “الإصلاح”، بينما تشير الأرقام الرسمية إلى أن صندوق التقاعد المدني، الذي يُدبّره الصندوق المغربي للتقاعد، يواجه عجزاً متراكماً بلغ 6,8 مليار درهم سنة 2023، مع توقعات بأن يتضاعف هذا الرقم بحلول 2027، إذا لم يتم إدخال إصلاحات جذرية وهيكلية تهم سن الإحالة على التقاعد، ومعايير احتساب المعاشات، ومصادر التمويل.

عقد بنسبة إنجاز 91%… وماذا عن الأثر الفعلي؟

و في بيان لا يخلو من نبرة انتشاء، أشار المجلس إلى أن عقد البرنامج السابق (2022-2024) تم تنفيذ 91% من التزاماته، رقم يبدو مشجعاً للوهلة الأولى، لكن دون توضيح لماهية هذه الالتزامات، ومدى تأثيرها المباشر على تحسين وضعية المتقاعدين أو على تقليص العجز المالي للصندوق، ليبقى هذا الرقم أقرب إلى ملء الفراغ بلغة فنية أكثر منه مؤشراً على نجاح حقيقي.

كما لم يذكر البلاغ، أن نسبة التغطية لنفقات المعاشات من المساهمات لم تتعدَّ 72% سنة 2023، مما يجعل الصندوق يعتمد بشكل متزايد على أمواله الاحتياطية، والتي بحسب تقارير المجلس الأعلى للحسابات، مهددة بالنفاد في أقل من 10 سنوات.

حكامة أم شعارات معلبة؟

من جهة أخرى، نوهت الوزيرة فتاح بما أسمته “الروح التوافقية” و”الانخراط الجاد” في تعزيز حكامة المؤسسة، في انسجام مع الميثاق الجديد لحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية، لكن في الواقع، لا تزال مفاهيم الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير صناديق التقاعد مجرد شعارات على الورق، في ظل غياب تقارير سنوية مفصلة للجمهور، وتكتم رسمي عن أسماء المتخلفين عن المساهمة أو المساهمين بأقل من المطلوب من المؤسسات العمومية.

بين المخطط الاستراتيجي والمحفظة المالية: من المستفيد؟

و من بين ما أشار إليه البلاغ الوزاري أيضاً، “التوظيف الأمثل للمحفظة المالية”.. وهي عبارة قد تبدو مطمئنة في ظاهرها، لكنها لا تعني الكثير في ظل غياب معطيات دقيقة حول سياسة الاستثمار التي يعتمدها الصندوق، ونسب العائد السنوي، والقطاعات التي يتم ضخ أموال المتقاعدين فيها، فهل هناك تقييم شفاف لعائدات المحفظة المالية؟ وهل أُخذت دروس من خسائر استثمارات سابقة في مشاريع غير مجدية اقتصادياً؟

الوعود متكررة، والمُتقاعد ينتظر

في خضم كل هذه المؤشرات الرسمية التي تصر على طمأنة الرأي العام بلغةٍ محسوبة، يظل المتقاعد المغربي هو الحلقة الأضعف في السلسلة.. معاشات هزيلة، لا تواكب ارتفاع تكاليف المعيشة، وإصلاح غائب لا يظهر منه سوى اجتماعات موسمية وتصريحات دبلوماسية.

وإذا كانت الحكومة قد أقرت بضرورة إصلاح منظومة التقاعد منذ 2013، فما الذي تحقق فعلاً خلال أكثر من عقد؟ هل سنستمر في تدوير نفس المقاربات الشكلية، بينما تنهار صناديق التقاعد بصمت؟ أم آن الأوان لاعتماد إصلاح تشاركي، شفاف، ينطلق من سؤال بسيط: لمن تخدم هذه العقود؟ ولماذا نمدد زمن الانتظار كل ثلاث سنوات دون أن نحسم في جوهر الأزمة؟

عقد جديد يُبرم مع الدولة، وأزمة قديمة تتكرس، وصمتٌ رسمي يغلف أسئلة صعبة، فيما المتقاعد المغربي يكتفي بمكان على هامش التطمينات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى