إهداء إلى أمي ذات التسعين عاما التي تعتبر زياد ابنها.
رحل الذي لم يكن فنانا فحسب، بل كان صوتا يصدح بالحقيقة في زمن الصمت. راح ضميرا يقظا في وطن يجر أبناءه نحو الخَدَرِ أو الانكسار.
لم يكن زياد مسرحيا عاديا، ولا مغنيا عابرا، ولا مؤلفا تقليديا، كان حالة استثنائية…
زلزالا هادئا كان، ينخر في صمت الركود ويوقظنا على وجعٍ مألوف اعتدنا تجاهله.
حين غنى “أنا مش كافر” لم يكن يتحدى الإيمان، بل كان يفضح الكفرَ الحقيقي، كفرَ الجوع والذل والفساد والقهر والخذلان.
أحببته كما لم أحب فنانا من قبل، حتى إني سميتُ ابني البِكر “زياد”، على اسمه.
لم يكن الأمر مجرد تكريم فني، بل كان عهدا داخليا بأن تبقى تلك الروح فينا، عنيدة، صادقة، موجِعة، لكنها لا تصمت.
كان زياد مرآتنا، وإن تشققت…
كنا نلوذ بصوته كلما ضاقت بنا الأمكنة، نرجع إليه كلما شعَرنا أن الهزائم لا تموت، بل تتكاثر.
فحتى حين تشابكت تجاعيد الزمن على وجهيهما، ظل صوت فيروز يشدو، وظل زياد يكتب وجعنا…
أمي من عمر فيروز. كلتاهما تحمل ذاكرة القرن، وملامحَ جيلٍ لا يزال صوته حيا رغم كل هذا الخراب، كأنهما مرآتان تراقبان هذا الشرق من شرفة الذكريات.
واليوم…انطفأ زياد.
لكن، كيف ينطفئ من أشعلَ فينا كل هذا الضوء؟
كيف يرحل من أسمعنا أصواتنا؟
نم بسلام زياد…
نم، أنت تعلم أن هناك قلوبا كثيرة في هذا العالم تنبض بلحنك وذكراك وتحفظ كلماتك كأدعيةٍ لا تُنسى.
وأنا، حين أنادي ابني: “زياد” سيكون ندائي صدى لذكراك، واستمرارا لحكاية لا تنتهي.