
تعيش الصيدليات على إيقاع قلق متزايد، لا بسبب عزوف المرضى أو نُدرة الأدوية، بل بسبب مرسوم حكومي جديد، اعتبره الصيادلة وصفة جاهزة لإفلاس جماعي في القطاع، خاصة في المناطق المهمشة.
فقد وجهت “كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب” رسالة مستعجلة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، تدق فيها ناقوس الخطر بشأن مشروع المرسوم الجديد المتعلق بمراجعة مسطرة تحديد أثمنة الأدوية، والذي تقول إنه قُدم على عجل ودون أي اعتبار لتوصيات المهنيين، وكأن الأمر يتعلق بقطاع جانبي لا دور له في المنظومة الصحية الوطنية.
دواء أرخص، ولكن بأي ثمن؟
و فيما. يبدو أن المرسوم الجديد، الذي تعكف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية على الدفع به في ظاهره خطوة حميدة لتقليص أثمان الأدوية، في انسجام مع وعود “الدولة الاجتماعية”، إلا ان باطنه، حسب الصيادلة، ينذر بكارثة حقيقية، فالكونفدرالية تقول إن المشروع أُعد خارج منطق الحوار، متجاهلاً مقترحاتها “العلمية والواقعية”، التي صاغتها من منطلق مسؤولية وطنية، لتوازن بين القدرة الشرائية للمواطن واستمرارية أداء الصيدليات لدورها الاجتماعي والصحي.
فكيف يمكن لصيدلية في قرية نائية بالكاد تبيع بضعة وصفات يومياً أن تصمد في وجه تسقيف غير مدروس للأثمنة؟ وكيف يمكن لصيادلة يعانون أصلاً من ارتفاع الضرائب وتكاليف الكراء والأجور أن يواصلوا تقديم خدمة عمومية إذا تم نسف هامش ربحهم الضئيل أصلاً؟
لغة الأرقام: مؤشرات على الحافة
بحسب معطيات من داخل القطاع، فإن حوالي 30% من الصيدليات في المغرب تعاني اختلالات مالية مزمنة، فيما أكثر من 1200 صيدلية مهددة فعلياً بالإغلاق خلال السنوات الثلاث المقبلة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
ولا تزال نسبة هامش الربح الثابت للصيدليات، الذي لا يتجاوز في الغالب 20%، خاضعة لمنطق الستينات، دون أي مراجعة حقيقية تأخذ بعين الاعتبار التكاليف الجديدة وواقع السوق المعاصر.
إقصاء أم “تصفية حسابات” تقنية؟
أو رأت لكونفدرالية في تجاهل وزارة الصحة لمقترحاتها خرقاً واضحاً لمبادئ الحوار والمقاربة التشاركية، كما ينص عليها دستور 2011 والخطب الملكية، خصوصاً في قطاع يوصف بـ”الاستراتيجي”، نظراً لعلاقته المباشرة بأمن المواطنين الصحي،
وقالت إن وزارة الصحة “اختزلت إصلاح المنظومة الدوائية في تخفيض الأسعار، متناسية أن أي إصلاح لا يضمن التوازن بين متطلبات المواطن ومصالح المهنيين هو مجرد مغامرة غير محسوبة”.
صيادلة أم تجار تحت الضغط؟
بين ضغوط المهنيين ووعود الحكومة للمواطن، يتجه قطاع الصيدلة نحو مفترق طرق، فهل الصيادلة مجرد “تجار أدوية” يجب التضييق على أرباحهم؟ أم أنهم شركاء في المنظومة الصحية الوطنية يستحقون التشاور لا التهميش؟
الصيادلة يصرون على أنهم “جزء من الحل وليسوا جزءاً من المشكل”، ويطالبون بـ”حوار حقيقي ومسؤول” يضع في الحسبان واقعهم الاقتصادي ويفتح الباب أمام إصلاح جذري يحقق أمنًا دوائيًا حقيقياً لا وهميًا.
أخنوش أمام اختبار جديد
وبين سطور الرسالة، يظهر جلياً أن الصيادلة لا يطلبون المستحيل، بل يتحدثون بلغة “الواقعية القابلة للتنفيذ”، مطالبين رئيس الحكومة بوقف ما وصفوه بـ”القرارات الأحادية” لوزارة الصحة، التي قد تؤدي بحسب تعبيرهم إلى “احتقان اجتماعي حاد داخل القطاع” .
فهل يتدخل رئيس الحكومة لإنقاذ الصيدليات من الانهيار؟ أم أن المشروع سيمر بصيغته الحالية، تحت لافتة “خفض الأسعار”، ولو على جثث آلاف الصيدليات الصغيرة التي لطالما شكلت خط الدفاع الأول في القرى والهوامش؟