الرئسيةثقافة وفنون

متعة وجوه البؤس الخفي في “بؤساء لم يصادفهم هوغو” لسلوى إدريسي والي

بقلم: حسن الوزان

تكتب سلوى إدريسي والي في مجموعتها القصصية “بؤساء لم يصادفهم هوغو”، وجعًا لا يبحث عن تسمية خاصة به. القصص هنا متواليات سردية لأفراد مسحوقين، نداءات وجودية لأرواح سقطت من السطر الأول في حياة لم تُختر لها.

تحت هذا العنوان الذكي والمُربك، الذي يحيل إلى بؤساء فيكتور هوغو الغابرين، تتسلل الكاتبة إلى العتمة الأكثر كثافة: عتمة اليوميّ، المتروك، والمسكوت عنه.. تكتب عن أولئك الذين لم يصادفهم أحد، لا هوغو ولا غيره، عن أولئك الذين يُولدون ويعبرون الحياة كأخطاء نحوية في جملة مجتمعية مختلة.

المرأة ليست مجرد بطلة للحكي

المرأة في هذه المجموعة ليست مجرد بطلة للحكي، بل جسد يحمل الطبقات المترسبة من القهر، العنف، والإلغاء.. في قصة “الجمعة الحزينة”، مثلًا، تتحول الطفولة الأنثوية إلى ساحة تعذيب، وتصبح الأم مجرّد ظلّ عاجز، فيما الأب ينهض كرمز للسلطة المتوحشة والمكرّسة عائليًا. وفي “أعطني حريتي”، يأتينا الاعتراف الأنثوي هادئًا، لكنه مشحون بشحنة فادحة من الخسارة والانبعاث، حيث تتحول لحظة الطلاق إلى ميلادٍ جديد، لا احتفال فيه، بل وعي صامت بالكرامة.

ليست هذه القصص بكائيات، وليست دعوة للشفقة. إنها وعي طبقي ساخر أحيانًا، قاسٍ في كثير من الأحيان، لكنه دائمًا صادق: “ساهر”، “زينب”، “سماح”، وغيرهم، ليسوا مجرد شخوص، بل مرايا مكسورة لطبقات مسحوقة، مَن خرج منهم للهواء يحمل الندبة على جبينه، ومن بقي، فهو الآخر نُقِش على الحائط كنقطة صمت.

الدمج بين العفوية والعمق

ما يلفت في أسلوب إدريسي والي هو الدمج بين العفوية والعمق، فهي تكتب كما يُبوح الجرح، بلا تزيين ولا تغليف. تتكلم شخصياتها كما لو أنها تُسجّل وصيتها الأخيرة. ليس ثمة بطل أو حبكة محكمة بل مواقف إنسانية محتدمة، تنفجر فيها الأسئلة أكثر من الأجوبة.

ليست اللغة “بؤساء لم يصادفهم هوغو” أداة بل موضع مقاومة: عامية وفصحى، ساخطة ورقيقة، واضحة ومواربة، كلّها تتجاور لترسم ملامح مجتمع هش، يحاول أن يبدو طبيعيًا فوق أرضٍ مشروخة من الأعماق.

عمل يستحق أن يُقرأ لا بعين النقد الأدبي فحسب، بل بعين القلب

تُكتب المجموعة القصصية “بؤساء لم يصادفهم هوغو” من قلب البؤس الحيّ، بلغة تُشبه من كتبت عنهم: لا تملك الرفاهية، لكنها تحتفظ بالكرامة. إنه عمل يستحق أن يُقرأ لا بعين النقد الأدبي فحسب، بل بعين القلب، لأن البؤساء الجدد لا يبحثون عن بطل، بل عن قارئٍ يتذكّر معهم أنه ما زال حيًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى