
لم يعد البحر في المغرب يكتفي بابتلاع أحلام شباب الحريك، أو بسحب أقدام صيادين فقراء نحو المجهول، بل صار بين الفينة والأخرى يقذف بجثث متحللة إلى الشواطئ، وكأنه يذكّر الدولة بما تحاول طمره تحت رمال الصمت.
لفظت أمواج شاطئ الطايث بأجدير على بعد كيلومترات من مدينة الحسيمة، صباح أمس الإثنين، جثة في حالة تحلل متقدّم، في حادث أعاد مشهد “الموت العائم” إلى الواجهة، وجعل ساكنة المنطقة تتجمهر أمام ما لم يعد يعتبرونه استثناء، فالموت القادم من البحر صار مشهداً مكرراً، وكأن الشاطئ تحول إلى مقبرة مفتوحة تعكس فشل سياسات الهجرة، وضعف الرقابة البحرية، وتهاون الدولة في حماية أرواح أبنائها.
استنفار السلطات والإجراءات الروتينية
تحركت السلطات كعادتها: تطويق للمكان، حضور عناصر الدرك الملكي والوقاية المدنية، ثم نقل الجثة إلى مستودع الأموات في انتظار نتائج التحقيق.. عادة ما تبدأ التحقيقات بالفرضيات وتنتهي بتصريحات مقتضبة على شاكلة: “الجثة مجهولة، والأسباب قيد البحث”.. لكن السؤال الأعمق الذي يتجنبه الجميع: من هؤلاء الذين يغرقون ويُطوَون في ذاكرة البحر قبل أن يُطوَوا في أرشيف النسيان الرسمي؟
التحلل.. شاهد على رحلة غامضة في أعماق البحر
تشير المصادر الأولية إلى أن الجثة مكثت فترة طويلة في عرض البحر قبل أن تدفعها الأمواج إلى اليابسة، فحالة التحلل المتقدم تركت هامشاً ضيقاً أمام المحققين لمعرفة سبب الوفاة، ما يفتح الباب أمام عدة فرضيات: هل نحن أمام حادث عرضي لغريق لم يُعثر عليه؟ أم ضحية هجرة سرية فاشلة؟ أم ربما جريمة أخفتها مياه البحر قبل أن تكشفها على الشاطئ؟
أرقام مرعبة عن الهجرة غير النظامية
خلف هذا المشهد المأساوي، تتكشف أرقام صادمة: وفق المندوبية السامية للتخطيط، سجّل المغرب سنة 2024 أزيد من 78,600 محاولة للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، معظمها عبر السواحل الشمالية، وفي المقابل، تفيد تقارير أممية بأن أزيد من 9,500 مهاجر لقوا حتفهم في البحر المتوسط والأطلسي خلال نفس العام، نصفهم تقريباً من دول شمال إفريقيا، لا تقرأ هذه الأرقام إلا على ضوء واقع اقتصادي واجتماعي يحوّل البحر إلى مقبرة جماعية.
شاطئ الطايث: مرآة الموت والسياسات الفاشلة
في مشهد ساخر حد الألم، تجمهر المواطنون حول جثة الطايث يتناقلون الأخبار على هواتفهم في بلد يظل فيه البحر أسرع من “برامج إنقاذ الأرواح” وأقوى من “استراتيجيات التنمية الساحلية”، فيما تكشف تقارير المجلس الأعلى للحسابات عن تأخر مشاريع البنى التحتية الساحلية الأساسية بنسبة تصل إلى 40%.
جثة الطايث.. مرآة الفشل المميت
جثة الطايث ليست مجرد بقايا إنسان، بل انعكاس قاتم لسياسات هجرة مشوّهة، واقتصاد يختنق تحت وطأة البطالة والفقر، حيث تتجاوز نسبة البطالة بين الشباب 37% وفق أرقام رسمية، فبما يتحول الشاطئ من مجرد فضاء للاستجمام إلى مسرح دائم للغرق والموت، بل و شاهدًا على إهمال الدولة وتقاعسها.