اقتصادالرئسية

 ركود عقاري يرسم صورة قاتمة عن الاقتصاد المغربي

السوق في حالة جمود

تحرير: جيهان مشكور

يبدو أن العقار في المغرب لم يعد ذاك “الملاذ الآمن” الذي اعتاد عليه المستثمرون والمواطنون على حد سواء. الأرقام الصادرة عن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية وبنك المغرب لا تترك مجالا للتأويل: السوق في حالة جمود، والركود أصبح عنوان المرحلة. ففي الفصل الثاني من سنة 2025، تراجعت المعاملات العقارية بنسبة 10.8% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، فيما انخفضت مبيعات السكن بنسبة 15.1%، أي أن حلم “امتلاك بيت العمر” صار أكثر بعداً عن متناول الطبقات المتوسطة والفقيرة.

 مؤشرات متناقضة وأسعار متقلبة

الوثيقة الرسمية الخاصة بـ”مؤشر أسعار الأصول العقارية” تكشف صورة معقدة: انخفاض بنسبة 13.3% في مبيعات العقارات المهنية يقابله ارتفاع بنسبة 6% في مبيعات الأراضي. أما على صعيد الأسعار، فالوضع يتأرجح بين ركود شامل وزيادات طفيفة لا تعكس واقع المعاملات. المؤشر سجل على أساس سنوي شبه جمود، بارتفاع لا يتجاوز 0.1% في العقارات السكنية مقابل انخفاض 0.3% في الأراضي والعقارات المهنية. لكن المفارقة الصادمة تكمن في أن المعاملات نفسها تراجعت بـ 21.2% على الصعيد الوطني، وهو رقم يترجم تراجعاً أعمق في القدرة الشرائية وثقة المستثمرين.

مدن تتباين.. والركود يجمعها

المثير أن المدن الكبرى، التي لطالما شكلت قاطرة للعقار، لم تسلم من هذه التناقضات،حيث تكشف الوثيقة أيضًا مفارقات مثيرة بينها.. ، فالرباط مثلاً سجلت مفاجأة بارتفاع الأسعار بنسبة 14%، خاصة في العقار السكني (+24%) رغم تراجع الأراضي بـ 32.6%، وكأن العاصمة الإدارية تعيش في “فقاعة سعرية” منفصلة عن واقع باقي المدن.

فيما شهدت الدار البيضاء، القلب الاقتصادي، العكس تماماً: الأسعار تراجعت بـ 0.5% والمبيعات بـ 13.9%، ما يكشف أن القدرة الشرائية للمواطن البيضاوي باتت أضعف من أن تواكب جشع المنعشين العقاريين،
في حين تبدو مراكش في وضع وسط، حيث ارتفعت الأسعار بشكل طفيف بـ 0.2% لكن المبيعات تحركت قليلاً نحو الإيجابية بـ 2.7% بفضل الأراضي والعقارات المهنية.

أما طنجة، فقد بصمت على التراجع الأكبر: انخفاض المبيعات بنسبة 19%، مع انهيار بـ 75% في العقارات المهنية، ما يطرح أكثر من سؤال حول مستقبل المدينة التي كانت بالأمس القريب وجهة استثمارية جذابة.

أزمة قطاع أم مرآة للأزمة العامة؟

الركود العقاري ليس مجرد معطى تقني في تقارير رسمية، بل هو مؤشر عميق على هشاشة الاقتصاد الوطني. فالمغاربة، الذين يواجهون تضخماً خانقاً في أسعار المواد الغذائية تجاوز في بعض الفترات 7% حسب المندوبية السامية للتخطيط، يجدون أنفسهم عاجزين عن تحمل كلفة السكن، هذا في وقت يواصل فيه معدل البطالة التحليق عند مستويات تتجاوز 13% وطنياً، مع نسب أعلى بكثير في صفوف الشباب.

سياسة إسمنتية بلا أفق

الاسمنت

المفارقة أن الحكومات المتعاقبة ظلت تراهن على العقار كقاطرة للنمو، تارة عبر برامج “السكن الاقتصادي” وتارة عبر مشاريع المدن الجديدة، لكن اليوم يتضح أن هذا الرهان كان هشاً، لأن السوق قائم على المضاربة أكثر من حاجيات المواطنين الفعلية،و تكشف الأرقام أن العرض موجود، لكن الطلب يتآكل، لأن الجيوب فارغة، وبدل أن يكون الإسمنت حلاً، صار عبئاً يفضح الاختلالات البنيوية للاقتصاد المغربي.

بين الأرقام والواقع.. سؤال السكن المؤجل

في النهاية، قد تُجمّل المؤشرات الرسمية بعض التفاصيل بالأرقام الدقيقة والنسب المئوية، لكن الواقع يختزل في سؤال واحد: كيف لمواطن يعاني من الغلاء والبطالة أن يشتري بيتاً في ظل أسعار تواصل الارتفاع في بعض المدن، ومعاملات تتراجع بشكل حاد؟ يبدو أن العقار، الذي كان يوصف يوماً بأنه “عمود الاقتصاد”، تحول إلى مرآة تعكس أزمات أعمق: أزمة ثقة، أزمة عدالة اجتماعية، وأزمة سياسة اقتصادية لم تجد بعد الوصفة المناسبة لمعادلة بسيطة: سكن لائق بثمن معقول لمواطن يستحق أن يعيش بكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى