الرئسيةحواراتدابا tvسياسة

في حوار مع البكاري..: الدولة بلا رؤية استراتيجية والجيل الجديد يرفض الوصاية

في ظل الموجة الاحتجاجية التي قادها جيل “Z” في المغرب للمطالبة بالحق في الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، اختارت السلطات العمومية الرد بالمقاربة الأمنية، عبر المنع والتوقيفات.. وفي حواره مع “دابا بريس” ، قدم الباحث والناشط الحقوقي خالد البكاري قراءة معمقة لهذه التطورات، معتبراً أن الدولة لا تملك إلى حدود اليوم منظوراً استراتيجياً للتعاطي مع مطالب الشباب، وأن اللجوء المتكرر إلى الحل الأمني ليس إلا انعكاساً لهذا الفراغ.

المقاربة الأمنية منظومة متكاملة تشمل القضاء غير المستقل، والإعلام القائم على التشهير والتضليل

يرى البكاري أن اللجوء إلى الحل الأمني في مواجهة الاحتجاجات لم يكن مفاجئاً، لأن الدولة، في نظره، لم تطور آليات للحوار مع الشباب أو الإنصات لمطالبهم، ويضيف أن ما يظهر من سياسات عمومية وقوانين مالية بعد صدور تقرير النموذج التنموي الجديد يبين أن الأمر لا يعدو أن يكون تدبيراً لحظيا، يخدم مصالح لوبيات الريع والفئات المستفيدة من غياب الإصلاح الحقيقي، على حساب الفئات المسحوقة.

ويعتبر البكاري أن المقاربة الأمنية لا تتجلى فقط في التدخل بالعنف أو التوقيفات، بل هي منظومة متكاملة تشمل القضاء غير المستقل، والإعلام القائم على التشهير والتضليل، إضافة إلى سرديات المؤامرة التي تُسوّقها الدولة لتبرير الأحداث بربطها تارة بقطر وتارة بالجزائر أو بجهات أجنبية أخرى.

العنف وأعمال التخريب.. مسؤولية من؟

في معرض رده على سؤال حول المستجدات المرتبطة بأعمال العنف، يؤكد البكاري أن الاحتجاجات في المغرب لا تتبنى العنف كخيار استراتيجي، بخلاف حركات احتجاجية في العالم التي ربطت بين العنف والغاية السياسية. وبالنسبة إليه، ما وقع من تخريب يظل معزولاً عن المسار السلمي للمظاهرات، إذ جرت هذه الأعمال غالباً في الليل وبعد انتهاء الوقفات، واستهدفت ممتلكات خاصة مثل الصيدليات والبنوك أو سيارات المواطنين، ما يجعلها في نظره إما نتيجة انفلاتات أمنية أو أعمالاً مدفوعة باستغلال هشاشة اجتماعية في مناطق محددة.

ضمان السلامة الجسدية للمتظاهرين وغير المتظاهرين هي مسؤولية القوات العمومية

ويشدد على أن حماية الممتلكات الخاصة والعامة، وضمان السلامة الجسدية للمتظاهرين وغير المتظاهرين، هي مسؤولية القوات العمومية.. غير أن الدولة، حسب قوله، فشلت في هذا الامتحان، إذ مارست العنف على المحتجين السلميين الموثقين في الصور والفيديوهات، بينما عجزت عن منع التخريب الذي نفذه مجهولون.

في الفروقات بين 20 فبراير واحتجاجات جيل “Z”

في مقارنته بين احتجاجات 20 فبراير 2011 وحراك الجيل الجديد، يسجل البكاري أوجه تشابه عديدة، أبرزها الحضور الوازن للشباب، وطبيعة المطالب المرتبطة بالصحة والتعليم ومحاربة الفساد، لكنه يلفت الانتباه إلى اختلافات جوهرية؛ أبرزها تراجع دور الأحزاب والتنظيمات الراديكالية في قيادة الحراك الحالي، مقابل بروز مطالب اجتماعية أكثر من السياسية، وإن كانت الأخيرة حاضرة بشكل ضمني في شعارات المحاسبة وإسقاط الفساد.

كما يشير إلى غياب الوجوه القيادية في احتجاجات اليوم، خلافاً لما كان في 20 فبراير، حيث برزت أسماء شكلت مرجعية داخل الحركة، ويربط ذلك بطبيعة الجيل الحالي الذي يتواصل عبر المنصات الرقمية دون أن تجمعه لقاءات تنظيمية فعلية، وهو ما يعكس نمط حياة قائم على الفردانية، لكنه في المقابل يؤسس لشكل جديد من التعبئة الجماعية.

رفض الوصاية وصراع الصور النمطية

يؤكد البكاري أن جيل “Z” يبعث برسالة واضحة للسلطة والمجتمع، مفادها أن الصورة النمطية التي تعتبره جيلاً “تافهاً” أو “غير جاد” خاطئة، فمن خلال أشكال اللباس والخطاب، يسعى هذا الجيل إلى فرض حضوره كما هو، رافضاً كل أشكال الوصاية التي تحاول السلطة أو غيرها فرضها عليه.

ويضيف أن محاولات بعض المسؤولين مخاطبة الشباب بلغة أبوية، من قبيل “أنتم نياتكم صافية ولكن هناك من قد يستغل حركتكم”، لم تنجح في كسب ثقتهم، لأنهم يرفضون هذه العقلية الوصائية، ويتمسكون بحقهم في التعبير عن ذواتهم واختياراتهم.

أزمة ثقة ورؤية غائبة

في ختام تحليله، يرى خالد البكاري أن ما تعيشه البلاد يعكس أزمة ثقة عميقة بين الشباب والدولة، أساسها غياب رؤية استراتيجية لمعالجة القضايا البنيوية المرتبطة بالصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية..

ويرى أن استمرار التعاطي الأمني مع هذه التحركات الشبابية قد يفاقم الهوة بين الدولة والمجتمع، بينما المطلوب، بحسبه، هو فتح قنوات حوار جدي والاعتراف بأن هذا الجيل ليس خطراً، بل هو المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى