
أزمة الوساطة السياسية بالمغرب.. حين تفرض احتجاجات “جيل Z” قواعد اللعبة الانتخابية
بقلم مراد بورجى
شهدت الساحة المغربية، منذ يوم السبت الماضي (27 شتنبر 2025)، موجة جديدة من الحراك الاجتماعي، بطلها “جيل زد 212″، الذي يمثّل الفئة العمرية، التي ولدت في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.
هذا الجيل الذي ترعرع في فضاء رقمي مفتوح، يختلف عن الأجيال السابقة في أدواته وأساليبه ورهاناته، وهو ما يجعل احتجاجاته اليوم موضوعا سياسيا بامتياز، يفرض على الدولة والأحزاب والنخب مقاربة جديدة لفهمه والتفاعل معه، مع الاستفادة من بعض خلاصات تجربة حركة 20 فبراير ربيع 2011.
لا تقف وراء احتجاجات “جيل Z” تنظيمات سياسية أو نقابية كما عبّروا عن ذلك
خلافاً لما شهدته حركة 20 فبراير سنة 2011، لا تقف وراء احتجاجات “جيل Z” تنظيمات سياسية أو نقابية كما عبّروا عن ذلك. بل إن مصدرها الأساس هو التفاعل الرقمي على منصات مثل “ديسكورد” و”تيك توك” و”إنستغرام”، حيث يتحول الغضب الاجتماعي إلى دعوات جماعية للنزول إلى الشارع.
هذه الطبيعة اللامركزية، التي تبدو عفوية في الظاهر، هي في الواقع انعكاس لأزمة الوساطة السياسية في المغرب، التي طالما حذّرتُ منها في مقالاتي: لقدْ فَقَدَ الشباب الثقة في الأحزاب والنقابات والجمعيات التقليدية، واختاروا أن يصنعوا فضاءهم البديل بأنفسهم.
خصوصا أن الأحزاب المغربية ذاتها، بمختلف تلاوينها، وضعت نفسها محلّ تشكيك هؤلاء الشباب وكرّست فقدان ثقتهم فيها، من خلال ما أصدرته من بيانات رتيبة، تتراوح بين تعبيرات التضامن ومحاولات الاستعمال والتوجيه، معبّرةً بذلك عن فشلها في فهم صيرورة وتوجهات هؤلاء الشباب، وفي إدراك أن شباب “20 فبراير”، الذي كان يتواصل بالفايسبوك، ليس هو شباب “جيل Z”، الذي يتواصل بأساليب رقمية حديثة.
الفاعلون الحزبيون لم يدركوا بعد أن لكل زمن جيله
معنى ذلك أن الفاعلين الحزبيين لم يدركوا بعد أن لكل زمن جيله، ولعل أبلغ برهان على هذا الوضع هو هذا الإصرار “المرضي”، لدى هؤلاء الفاعلين، على “القبض” على الكرسي والعضّ عليه بالنواجذ على امتداد الزمن، ليس بالسنوات فحسب، بل بحساب العقود، إذ كيف يمكن تصور وجهٍ حزبي يُنتخب في برلمان 1993 مثلا، ويبقى يُنتخب في كل ولايات الاستحقاقات الانتخابية، وها هو اليوم “موجود” في برلمان 2021-2026!!! في المحصلة، يبدو وكأن الزمن السياسي توقّف عند هذه الوجوه الحزبية الرتيبة والمكرورة، محطّمين منطق التاريخ ومنطوقه، الذي يفيد أن لكل زمن نساؤه ورجاله وشبابه، وأنه آن الأوان ليستيقظوا على الحقيقة المرة:
أن “جيل Z” غير معني بوجوههم وملامحهم، ولا بكل النظرات والنظريات والتحقيبات والتصورات التقليدية عن الحركة الوطنية، وعن اليمين واليسار، وعن القومجية والماركسية، وعن أبطال وضحايا وجلادي سنوات الرصاص…، كل هؤلاء الوجوه لا يعنون شيئا لهؤلاء الشباب المحتجين، الذين ظلوا يحرصون على التأكيد، بمناسبة وبغيرها، أنهم لا ينتمون لأي حزب، ولا يؤطّرهم أي تنظيم وليس لديهم أي قيادات معروفة، الأمر الذي يعقّد أكثر كل حوار منشود معهم لصعوبة اعتراف الآخرين بما يمكن أن يترتّب عنه من نتائج وبرامج وقرارات…
مطالب اجتماعية صرفة
وبالتالي، كل ما هو متوفر بين أيدينا لائحة مطلبية تتضمّن 30 مطلبا، أعلنوا عنها يوم الخميس في بلاغ تعليق الاحتجاجات، واللافت في المطالب أنها خلت تماماً من أي نزوع سياسي صدامي، فلا دعوات لإسقاط الحكومة ولا شروط لإعادة تشكيل المؤسسات، بل مطالب اجتماعية صرفة:
تعليم جيد ومجاني، سد خصاص الأساتذة، رقمنة المناهج، نقل مدرسي محترم، تعزيز الصحة العمومية، تخفيض أسعار الدواء، توفير السكن اللائق، تحسين الأجور، محاربة الاحتكار، ودعم المقاولات الصغرى. هذه ليست شعارات فضفاضة، بل قضايا ملموسة تمس حياة المواطن اليومية في القرية والمدينة معاً. وهنا تكمن قوة اللائحة: إنها مطالب تتجاوز حدود الجيل لتصبح خطاباً وطنياً شاملاً.
غير أنه مع إطلالة صباح اليوم الجمعة 3 أكتوبر الجاري، ستخرج حركة “جيل زد 212″، على موقعها، الذي أحدثته بالفايسبوك، بلائحة مطالب جديدة مرفوقة بالتنبيه التالي: “المطالب المنشورة مسبقا لا تعتبر المطالب الرسمية النهائية، كما أنها لا تشمل الصيغة الرسمية المناسبة، نرجو عدم نشرها باعتبارها أساسية إلى حين نشرها بصيغة رسمية”، وهي مطالب توجّهت مباشرة إلى المؤسسة الملكية تطلب فيها اتخاذ قرارات بصيغة لا يخولها الدستور للملك أصلا، من قبيل “إقالة الحكومة الحالية” و”حل الأحزاب السياسية المتورطة في الفساد” وعقد “جلسة وطنية علنية يرأسها الملك لمساءلة الحكومة أمام الشعب”…
وبالنظر للتأطير المرفق بهذه اللائحة، الذي يشدّد على عدم نشر هذه المطالب حتى يجري تدقيقها وتعميقها، سأتركها جانبا إلى حين اعتمادها رسميا من قبل الحركة…
المحرك الأساسي لهذه الاحتجاجات هو الإحساس المتنامي بانسداد الأفق
عموما، وأخذا بالاعتبار حضور الخلفيّات السياسية والاقتصادية، فإن المحرك الأساسي لهذه الاحتجاجات هو الإحساس المتنامي بانسداد الأفق أمام أزمة خانقة تعكسها الأرقام الرسمية نفسها: معدل البطالة في المغرب بلغ نهاية سنة 2024 نحو 13.3% من مجموع القوى النشيطة، أي ما يعادل 1.63 مليون معطّل.
النسبة ترتفع أكثر في المدن لتصل إلى 16.9%، بينما تقفز إلى مستوى صادم وسط الشباب (15-24 سنة) حيث بلغت حوالي 36.7%. وبين خريجي الجامعات، تصل البطالة إلى حوالي 20%، وهو ما يفسر الإحباط المتزايد لدى آلاف الشباب المتعلمين، المتخرّجين منهم أو من هم في طور التخرّج، والذين يجدون أنفسهم في حالة إقصاء من سوق الشغل.
هذه المؤشرات تتزامن مع ضغوط معيشية خانقة، أبرزها ارتفاع الأسعار وتكاليف السكن، فضلاً عن هشاشة الخدمات الأساسية، خصوصاً في الصحة والتعليم.
فبالرغم من أن قانون المالية لسنة 2025 خصّص للتعليم نحو 85.6 مليار درهم (أي ما يمثل حوالي 23% من إجمالي النفقات الحكومية)، وللصحة حوالي 32.5 مليار درهم (ما يعادل 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي)، إلا أن أثر هذه الأرقام يبقى ضعيفاً على حياة المواطن اليومية بحكم التوجّهات السياسية المختلة، التي تنهجها حكومة أخنوش، ولعلّ أبرز دليل على ذلك أن الأسر المغربية ما زالت تتحمل حوالي 38% من كلفة العلاج عبر الدفع المباشر، وهي نسبة تفوق بكثير السقف، الذي توصي به منظمة الصحة العالمية وهو 25%.
هذه المعطيات، التي ظهر أن الجيل الجديد مُلمّ بها بشكل عميق، تُبرز أن المشكلة لا تكمن فقط في حجم الميزانيات المرصودة، بل في طبيعة الإنفاق وتوزيعه، والتي تجعل كل تلك الميزانيات عديمة الأثر، بفعل سوء التدبير والفساد، كما هو الحال مع ملفات المخطط الاستعجالي في التعليم التي لم تُطو بعد، إضافة إلى الفوارق المجالية الصارخة بين الحواضر الكبرى والمناطق المهمشة.
تراكمات تفسر لماذا وَجدت شعارات “GenZ212” صدى سريعا
في المحصلة، نكون أمام أوضاع مشتعلة: بطالة متفشية في صفوف الخريجين، غلاء كلفة المعيشة، هشاشة الخدمات العمومية خاصة في الصحة والتعليم، فضلا عن شعور باللاعدالة المجالية بين مناطق المغرب المختلفة.
هذه التراكمات تفسر لماذا وَجدت شعارات “GenZ212” صدى سريعا في أوساط شبابية واسعة، كما توضّح لنا لماذا فضّل هذا الجيل حصر لائحة مطالبه في هذه القضايا بالذات، التي يكتوون، هم وعائلاتهم، بنيرانها.
التركيز على هذه المطالب الاجتماعية والاقتصادية، لا يحجب أن الإشكال هنا سياسي بالأساس،
فاحتجاجات “جيل Z” لا يُفترض أن تكون حركة مطلبية “عابرة” كما أُريد لحركة 20 فبراير أن تكون، والتي كانت بدورها تعبيرا عن أزمة ثقة عميقة بين الشباب ومؤسسات الوساطة السياسية، وهذا ما ظل الجالس على العرش ينبّه إليه ويحذّر منه في العديد من الخطب والرسائل الملكية، حتى وصل به الأمر إلى إرسال مبعوث ملكي خاص ممثلا في وزير الداخلية ليُفسر ويشرح لـ”قيادات” الأحزاب المغربية أبعاد وخلفيات وجوهر توجيهات الملك للوقوف على تغيير المنظومة الانتخابية التي تُبقي على نفس الوجوه المكرورة الفاسدة مما جعل الأحزاب تتراجع بشكل مهول في القيام بدورها الدستوري التأطيري، وظلت تولي كل اهتماماتها إلى “مالين الشكارة” الذين يلبّون لهثها ولهطتها إلى الأموال والمقاعد والمناصب، فيما تقوم، عن سابق رصد وترصد، بإهمال وتهميش الشباب، الذين يتعدّون ثلث سكان المغرب، أي أزيد من 12 مليون نسمة، نصفهم تقريبا ينتمي إلى شريحة جيل Z،
فجوة عميقة مع السياسة التقليدية
الأمر الذي يكرّس وضعية العزوف الانتخابي، الذي تجاوز 65% في انتخابات 2021، بينما لم يشارك غالبية جيل Z في التصويت، ما يؤشر على فجوة عميقة مع السياسة التقليدية، التي لم تنتبه إلى تطورات وتحوّلات الفضاء الرقمي، فالمغرب يضم أكثر من 26 مليون مستخدم نشيط للإنترنت، وحوالي 18 مليون حساب على فايسبوك، و11 مليون على تيك توك، ما يجعل هذا الجيل قادرا على تحويل الغضب الافتراضي إلى ضغط واقعي.
إن ما يريده هذا الجيل ليس فقط مدارس مجهزة أو مستشفيات مؤهلة، بل أيضا اعترافا بوجوده كفاعل اجتماعي وسياسي له الحق في التأثير على القرار العمومي. وستكون الدولة أمام منعطف: إذا تجاهلت هذه الرسالة، فإن الأزمة مرشحة للتفاقم. أما إذا أحسنت قراءتها، فقد تتحول هذه الاحتجاجات من تهديد للاستقرار إلى فرصة لإعادة بناء جسور الثقة بين الشباب والدولة، عبر حوار شفاف وإصلاحات حقيقية تُعيد الأمل في المستقبل، وتدفع جميع الفاعلين المعنيين إلى بذل جهود مضاعفة لإبداع حلول مبتكرة تمكّن من بعث رسالة واضحة إلى هذا الجيل أن الدولة والمجتمع معا استمعا جيدا لصوته وبلورا مقترحات عملية لتوفير سبل إشراكه في صنع القرار السياسي، وبالخصوص في هذه الظرفية، التي تتهيّأ البلاد للانتخابات…
الهيئات السياسية قدّمت مقترحاتها، تنفيذا لأوامر رئيس الدولة، التي تكلّف وزير الداخلية بتبليغها إلى قادة التنظيمات الحزبية، رغم أن الحاضر الغائب في جوهر هذه العملية هما فاعلان أساسيان:
الأول مُستجد، ويتمثل في شباب “جيل Z” الذي فضّل إبعاد نفسه ووجوه من الانخراط في لائحة مطالبه السياسية، والثاني تقليدي، ويتمثّل في “الوجود الطبيعي” للداخلية في كل استحقاق انتخابي، ورغم ذلك، فقد تكلّفت الوزارة باستقبال مقترحات الأحزاب، لكن لا أحد سأل وزارة عبد الوافي لفتيت عن مقترحاتها هيّ لترجمة توجيهات الملك بشأن الانتخابات، وبالخصوص آليات النزاهة والحد من كل المظاهر والممارسات الفاسدة، بتوسيع صلاحيات القضاء، وتقوية آليات الرقابة والفصل بين السلط، ومنح الشباب والمجتمع المدني أدوات مؤسساتية للمشاركة، والبحث عن مداخل للحيلولة دون تسلّل الفاسدين إلى المؤسسات الدستورية، ودون عودة نفس الوجود الخالدة بمجلسي البرلمان، من خلال إقرار تدابير أخلاقية يوقع عليها أمناء الأحزاب تمنع ترشّح هؤلاء للانتخابات المقبلة… فضلا عن الإشكالية المستجدة، وهي كيف يمكن إدماج “جيل Z” في القوانين الانتخابية المقبلة كرهان استراتيجي للمغرب…
آليات لإدماج “جيل Z” في مقترحات قوانين الانتخابات
مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ومع ما انتهى إليه الحراك الاجتماعي الجديد، وما تخلفت عن فعله الأحزاب السياسية بعدما حققت حركة 20 فبراير ذلك الإنجاز الكبير المتمثل في مراجعة حقيقية لدستور المملكة، يبرز سؤال محوري في النقاش العمومي المغربي: كيف “مُنع” الحزب الإسلامي من تنزيل مضامين هذا الدستور، وكيف تعمدت أحزاب “التغول” الحكومي الحالي من سن قوانين تعلو على مقتضيات هذا الدستور المغربي الذي صوت عليه المغاربة.
مسار الإصلاحات السياسية الحالية، خصوصًا في ما يتعلق بالقوانين الانتخابية، مسارٌ من المفروض أن يجد الحلول القانونية لدمج “جيل Z“، ومعه بالأساس جيل حركة 20 فبراير الذي مازال يراوح مكانه لغاية اليوم.
هذان الجيلان باتا اليوم الفئة الأكثر تأثيرًا على مستقبل العملية الديمقراطية. غير أن نسب المشاركة السياسية للشباب ظلت متواضعة، حيث لم تتجاوز نسبة التصويت في صفوف الفئة العمرية ما بين 18 و24 سنة حاجز 20% في انتخابات 2021، فما بالك الجيل الذي قبله، ما يعكس فجوة واضحة بين المؤسسات السياسية والجيل الجديد. كما أن هذه المعطيات تطرح إشكالية أساسية: كيف يمكن للقوانين الانتخابية المقبلة أن تستوعب هؤلاء الشباب كفاعل سياسي حقيقي بدل أن يبقى في موقع العزوف أو الاحتجاج غير المؤطر، وتتعقّد المعضلة أكثر بوجود نسبة غالبة من القاصرين ضمن الشباب المحتجين، قدّرتها وزارة الداخلية بما يقارب 70%، فيما بعض المجموعات المحتجة بلغت فيها نسبة الأطفال 100%…
وأخذا بالاعتبار هذا المعطى، وكمحاولة لردم الفجوة بين الأحزاب وهؤلاء الشباب، يمكن أن أقترح الآليات التالية:
– مراجعة سن التصويت: فتح النقاش حول تخفيض سن الأهلية الانتخابية إلى 16 سنة، على غرار النمسا وألمانيا مثلا، وبما يسمح بتوسيع قاعدة الناخبين الشباب.
– كوطا شبابية: إدراج حصة إلزامية للشباب دون 30سنة داخل اللوائح الوطنية والجهوية، على أن تصل النسبة إلى 20%، ضمانًا لتمثيلية فعلية داخل البرلمان، وكذا المجالس المنتخبة، مع تخصيص مقاعد جهوية للشباب القروي لتجاوز مركزية المدن الكبرى.
– التصويت الرقمي: اعتماد آليات حديثة للتسجيل والتصويت الإلكتروني الآمن، انسجامًا مع الطابع الرقمي لـ”جيل Z”، الذي يعيش يوميًا في الفضاء الافتراضي.
– دعم مرشحي الشباب: تخصيص صندوق مالي مستقل لدعم المرشحين الشباب، أسوة بالدعم العمومي للأحزاب، لتشجيعهم على خوض غمار المنافسة الانتخابية.
– إلزامية إدماج قضايا الشباب في البرامج: النص قانونيًا على ضرورة تخصيص برامج انتخابية واضحة تتعلق بالتشغيل والتعليم والرقمنة والبيئة، مع آلية لمتابعة تنفيذها.
– إشراك المجتمع المدني الشبابي: تمكين منظمات الشباب والجمعيات الطلابية من المشاركة في صياغة النصوص الانتخابية عبر جلسات استماع برلمانية.
التغيير ممكن إذا توفّرت الإرادة السياسية
المقترحات أعلاه تهدف، بالأساس، من جهة: إلى تجاوز العديد من الظواهر السياسية المختلّة، من قبيل ضعف الثقة في الأحزاب، ومحدودية فرص ترشّحهم، وغياب خطاب سياسي يتجاوب مع قضاياهم… ومن جهة ثانية: إلى الاعتراف الإيجابي بالتحدي الديمغرافي والسياسي الراهن، إذ أن ارتفاع نسبة الشباب يجعلهم رهانًا استراتيجيًا لأي إصلاح سياسي. وفي هذا الصدد، وبرؤية مستقبلية، يمكن التشديد على توفير التربية المدنية والانتخابية لكل الأطفال والشباب المغاربة، وفي مقدمة السّبل لتحقيق ذلك، إقرار إدراج التربية الانتخابية في المقررات الدراسية، مع تنظيم محاكاة انتخابية في المؤسسات التعليمية لتدريب الشباب على الممارسة الديمقراطية، كما هو جاري به العمل في العديد من التجارب الدولية، التي يمكن ملاحظتها مثلا في النمسا وألمانيا وإستونيا، والتي أظهرت إمكانية إدماج الشباب عبر التصويت المبكر والآليات الرقمية، الأمر الذي يمكن بلورته من خلال صياغة مقاربة تشاركية جديدة تجعل من الشباب جزءًا من صناعة القرار وفاعلا سياسيا مباشرا داخل المؤسسات. والشرط الأساس لكل هذا سيبقى مرهونا بمدى توفّر إرادة سياسية حقيقية لمباشرة جيل جديد من الإصلاحات الديمقراطية…