
في حوارٍ صوتي خصصته دابا بريس لمناقشة الاحتجاجات الشبابية التي يعرفها المغرب تحت مسمى حركة “جيل زد“، استقبلت الصحيفة “الناشطة الحقوقية هدى السحلي” للحديث عن خلفيات هذه الاحتجاجات، دوافع الشباب، وطبيعة تعامل الدولة معها. حيث كشف الحوار عن عمق الأزمة الاجتماعية والسياسية، وأبرز المخاطر المحتملة للمقاربات الأمنية في مواجهة احتجاجات سلمية.
لحظة وعي جماعي: الاحتجاجات تتجاوز المطالب العاجلة
تصف هدى السحلي الاحتجاجات الحالية بأنها “لحظة تعبير اجتماعي وسياسي عميق”، مشيرة إلى أن هذه الحركات ليست مجرد رد فعل ظرفي على أوضاع معيشيّة صعبة أو قرارات حكومية، بل تمثل وعيًا جماعيًا لدى فئة شابة تُعبر عن شعور متراكم بالغبن الاجتماعي، وتضيف السحلي أن الثقة في المؤسسات تآكلت بسبب غياب حلول ملموسة لقضايا التعليم، الصحة، الشغل، والعدالة الاجتماعية، ما دفع الشباب للبحث عن فضاء بديل للتعبير عن مطالبهم، بعدما ضاقت أمامهم القنوات التقليدية من أحزاب ونقابات وجمعيات المجتمع المدني.
التحدي الأمني: بين المنع وتكرار التدخل القسري
من منظور حقوقي، ترى السحلي أن المقاربات الأمنية ليست فعالة فحسب، بل تحمل مخاطر عميقة لأنها توصل رسائل سلبية للشباب مفادها أن الدولة لا تستجيب إلا عبر القوة، مما قد يعمّق أزمة الثقة بين الدولة والشباب ويحول الشارع إلى المنفذ الوحيد للتعبير عن الغضب.
وتؤكد السحلي على أن الحق الدستوري في التظاهر السلمي منصوص عليه في الفصل 29 من الدستور المغربي، وأن تكرار المنع يطرح سؤالاً حول الالتزام بروح الدستور وليس نصوصه فقط.
العنف: فهم السياق وليس تبريره
بالرغم من أن بعض المحتجين يلجأون للعنف أحيانًا، تركز السحلي على ضرورة فهم الأسباب الجذرية لهذه الانزلاقات، معتبرة أن العنف لا يولد من فراغ، بل غالبًا بعد التدخلات الأمنية العنيفة.
وتؤكد أن المسؤولية لا تقع على عاتق الشباب وحدهم، بل على الدولة التي يجب أن تهيئ مناخًا صحيًا للتعبير السلمي وتحترم حق الاختلاف والمعارضة، كما أشارت إلى أن حركة “جيل زد” نفسها دعت إلى السلمية ونفت تمثيل أي سلوك عنيف صادر عن بعض الأفراد.
المطالب: الحوار الجدي والتقييم الواقعي للسياسات العمومية
في مواجهة الاحتجاجات، تدعو السحلي إلى فتح حوار جدي مع الشباب، خصوصًا مع توالي الوقفات وتنظيم النقاشات الرقمية على منصات مثل “ديسكورد”. وتوضح أن الشباب صاغوا ملفاتهم المطلبية مدعمة بالأرقام والإحصائيات، ويجب على المؤسسات الحكومية والبرلمانية التفاعل معها بشكل حقيقي وليس تقني فقط.
كما تؤكد على ضرورة تقييم سياسات الدولة العامة وتأثيرها على حياة المواطنين اليومية، وضرورة إعادة تفعيل المؤسسات التمثيلية السياسية لتستجيب لتطلعات المجتمع.
مقارنة بين حركة 20 فبراير وجيل زد
تُبرز السحلي أوجه التشابه والاختلاف بين حركتين احتجاجيتين بارزتين في المغرب:
* التشابه: كلا الحركتين تعبران عن وعي جماعي يسعى لمواجهة الفساد والاستبداد والمطالبة بالعدالة والكرامة.
* الاختلاف: حركة 20 فبراير كانت سياسية الطابع، مؤطرة في سياق الربيع العربي، ومرتبطة أكثر بالأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني.. أما “جيل زد” فهي حركة أكثر اجتماعية ومهتمة بقضايا المعيش اليومية، رقمية بطبيعتها، متصلة بالعالم الرقمي ومستقلة عن الأطر الحزبية التقليدية، وتركز على تحقيق نمط حياة عادل وشروط مواطنة كاملة.
التفاعل الحكومي: غياب الجواب السياسي يعمق الأزمة
توضح السحلي أن الحكومة تعاملت مع الاحتجاجات بشكل متفاوت، بدايةً من الغياب التام، ثم خرجات إعلامية متفرقة للوزراء، وهو ما اعتبرته “تواصلاً لإدارة الأزمة وليس جوابًا سياسيًا فعليًا”.
وتشير إلى أن الانقسام داخل الحكومة، ومحاولات بعض الوزراء التملص من مسؤولياتهم، يزيد الفجوة بين الشباب والمؤسسات، ويعزز مشروعية مطالب إقالة الحكومة التي تعكس فقدان الثقة في النخبة الحالية.
لحظة لإعادة تأسيس الثقة بين الدولة والمجتمع
تختتم هدى السحلي الحوار بتأكيد أن ما يجري اليوم ليس مجرد أزمة احتجاج، بل تعبير عن وعي جماعي شاب يحذر الدولة من تجاهل مطالب المواطنين، مطالبًا بالاستماع والتجديد لتحقيق ديمقراطية أعمق وعدالة اجتماعية أوسع.
وتضيف أن قراءة هذه اللحظة بشكل صحيح تمثل فرصة لإعادة تأسيس الثقة بين الدولة والمجتمع، بينما سوء فهمها قد يؤدي إلى خسارة الثقة، وهو أثمن ما يمكن أن تمتلكه الدولة والمجتمع.
اقرأ أيضا…
في حوار مع البكاري..: الدولة بلا رؤية استراتيجية والجيل الجديد يرفض الوصاية