
تحرير: بثينةالمكوديلا يحتاج المسافر في طرق المغرب إلى خرائط كثيرة ليدرك أن التنمية هنا تسير بسرعتين سرعة المدن المضيئة التي تتزين بالمشاريع الكبرى، وسرعة القرى البعيدة التي تمشي الهوينى على حافة النسيان.
فكلما ابتعدت عن المحور الرباط والدار البيضاء، ومراكش، وأكادير بين قوسين، بدت البلاد كأنها تدخل في صمت آخر، صمت يليق بالأرض المتعبة وبالناس الذين ألفوا الانتظار.
في العالم القروي، لا تقاس المسافات بالكيلومترات، بل بعدد الوعود التي لم تصل.
مدارس تفتح شتاء وتغلق في وجه الثلج، مستوصفات خالية إلا من الجدران، شباب يهاجرون صوب المدن أو يتركون الوطن إلى الأبد… وبين هذا وذاك تستمر الحكاية كما لو أن التنمية مشروع مؤجل إلى إشعار آخر.
لقد اعتدنا أن تُقاس “النجاحات” بعدد الكيلومترات المعبدة، وعدد الأبراج التي ترتفع في المدن، بينما تقاس الخيبات في البوادي بعدد الأرواح التي تهاجر بحثا عن حياة أقل قسوة.
في القرى، لا أحد يتحدث عن “العدالة المجالية” إلا حين يحضر المسؤولون في زياراتهم الرسمية القصيرة، بعدها، تعود الوديان إلى جفافها، والطرقات إلى حفرها، والأمل إلى صمته القديم.
العالم القروي اليوم ليس فقط “الهامش”، بل هو مرآة ما أهملناه جميعًا
إنّ العالم القروي اليوم ليس فقط “الهامش”، بل هو مرآة ما أهملناه جميعًا،هو ذاكرة البلاد، وضميرها الذي يتألم كلما تمددت المدن وازدادت ناطحاتها، بينما تنكمش قرى الأطلس والريف والجنوب في العزلة.
في تلك الربوع، لا تزال النساء يحملن الماء من العيون البعيدة، ولا يزال الفلاح الصغير يقاوم الجفاف وحده، كأن الدولة لم تصل بعد إلى تلك السفوح.
الحديث عن التنمية لا يمكن أن يكون صادقا ما لم يشمل هؤلاء الذين لا صوت لهم، ولا طريق يربطهم بمدن القرار.
فمتى يصبح المغرب بلد بعدد متساو من الفرص، لا بعدد المشاريع الإشهارية؟
ومتى نفهم أن بناء وطن عادل لا يبدأ من المراكز بل من الهوامش، من أول مدرسة في الجبل، ومن أول طريق نحو الأمل؟
العالم القروي لا يريد صدقات تنموية، بل عدالة حقيقية:
حق في الماء، في التعليم، في الصحة، في أن يُرى.
فالهامش ليس هناك بعيدا… الهامش يسكننا جميعا.