
بعد نحو عام على انطلاق حراك فجيج في يناير 2024، الذي يأتي في إطار الاهداف الرامية إلى إبقاء مرفق الماء خدمة عمومية واجتماعية، ومنع تحويلها إلى مصدر ربح، وذلك لضمان ديمومة المنظومة الواحية وتوازنها الاقتصادي والديمغرافي، وموروثها الثقافي، وحفاظا على القدرة الشرائية الضعيفة للساكنة المحلية، عادت المدينة الواحية إلى الواجهة من جديد، هذه المرة عبر ندوة علمية وطنية، وعبر التعبئة لأشكال احتجاجية، والتي تنظم فعاليتها من 21 أكتوبر إلى 25 منه، وهي الندوة التي جمعت باحثين وفاعلين في التنمية البيئية والاجتماعية، بغاية إعادة طرح سؤال ظلّ معلقا هل كتبت على الواحات المغربية أن تبقى على هامش تفكير الدولة؟
ذاكرة المسيرة البيضاء: الماء والكرامة
في صباح الجمعة 26 يناير 2024، خرجت عشرات النساء في مدينة فجيج مرتديات الحايك الأبيض التقليدي في مسيرة سلمية رمزية حملت شعار “الماء والكرامة أولًا”.
انطلقت المسيرة يومها من الساحة المركزية وجابت الشوارع في نظامٍ وهدوءٍ نادرين، رافعة شعارات تعبّر عن غضبٍ مكتوم من سياسات التهميش والإقصاء التي تراكمت على مدى سنوات.

كانت تلك أول مسيرة نسائية خالصة في تاريخ المدينة، وجاءت رفضا لقرار المجلس الجماعي الانضمام إلى مجموعة “الشرق للتوزيع” لتدبير الماء، في ما اعتبرته الساكنة تفويتا لحقها الطبيعي في تقرير مصيرها المائي.
تلك المسيرة، وإن مرّ عليها عام، ما زالت تختصر جوهر الأزمة التنموية في فجيج تمثل وفرة في الوعي، وندرة في العدالة.
ندوة الأمس: صوت الباحثين يلتقي بصوت النساء
و احتضنت قاعة الجماعة الترابية بفجيج ندوة علمية وطنية نظمها المركز المحلي للبحث في التراث الواحي والتنمية المستدامة، تحت عنوان “الواحات المغربية بين الذاكرة والعدالة المناخية: فجيج نموذجاً.”، والتي ستمتد فعاليتها من 21 من هذا الشهر إلى غاية ال25 منه .
الندوة شارك فيها باحثون من جامعات مغربية وخبراء في قضايا المناخ والبيئة، إلى جانب فاعلين مدنيين من فجيج والجهة الشرقية.
ناقشت الندوة التحولات المناخية التي تهدد المنظومات الواحية، وتراجع الموارد المائية نتيجة سوء التدبير والضغط السكاني، إضافةً إلى أزمة العدالة المجالية التي تجعل من فجيج واحدة من أكثر المناطق تهميشًا رغم رمزية تاريخها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي.
وأكد المتدخلون أن الواحات المغربية، ومن بينها فجيج، تعيش وضعًا حرجًا عنوانه”الجفاف، الهجرة، وانقراض الموروث البيئي.”
وطالب الخبراء بضرورة إطلاق برنامج وطني لإنقاذ الواحات يستند إلى العدالة المناخية، ويحترم حق الساكنة في المشاركة في القرار المحلي، مع دمج مقاربة النوع الاجتماعي لضمان حضور النساء في كل مراحل التخطيط والتنفيذ.
إحدى المتدخلات شددت على أن “المرأة الواحية ليست متفرجة على الانهيار البيئي، بل هي في قلب المعركة: تحافظ على التراث، وتقاوم الجفاف، وتربي الأمل في الأرض.”

فجيج… حين تلتقي الذاكرة بالبحث
بين مسيرة 2024 وندوة 2025، خاضت فجيج رحلة وعيٍ جماعي عنوانها: من الشارع إلى المنصة العلمية.
فما بدأ بنداء نساء بالحايك أصبح اليوم قضية أكاديمية ووطنية تتناولها مراكز البحث والمؤسسات.
إنها المدينة التي رفضت أن تظل “نقطة نائية” في خريطة التنمية، وقرّرت أن تُعرّي واقع الواحات من الصمت، وتُعيد بناء خطابها من داخلها.
جدير بالذكر أنه بالتوازي مع النقاش الأكاديمي، تستعد ساكنة فجيج خلال الفترة ما بين 21 و25 أكتوبر الجاري لتنظيم سلسلة من الأنشطة الاحتجاجية، تتنوع بين وقفات رمزية ومسيرات سلمية، تهدف إلى إعادة التذكير بمطالب المدينة في الحق في الماء، وإنصاف الواحات، وتفعيل مشاريع التنمية المؤجلة.
مصادر محلية أكدت للجريدة أن التنسيقيات المدنية والفعاليات الجمعوية تعمل على تعبئة واسعة في الأحياء والقرى المجاورة، في أفق بلورة برنامج احتجاجي يعبّر عن رفض السكان لما يعتبرونه استمرارًا في “سياسة الآذان الصماء” تجاه مطالب فجيج.
نداء من عمق الواحة
من الحايك الأبيض إلى القاعات الأكاديمية، تصرّ فجيج على أن تكون ذاكرة تقاوم النسيان، ورمزًا لمعركة مغربية أوسع: معركة الماء، والكرامة، والإنصاف المناخي.
“فجيج لا تريد امتيازات، تريد فقط أن تُعامَل بالعدل… كما تُعامل المدن التي تملك الماء ولا تعرف العطش.





