
تحليل إخباري..هل صحيح جيل زد لا يملك “رؤية” وانفعالي وسادج في مطالبه؟
خرج اليوم السبت 25 اكتوبر جيل زد في العديد من المدن المغربية، ليرفعوا نفسها الشعارات، رحيل أخنوش وحكومته، التعليم والصحة أولوية المغرب، فضلا عن شعارات تطالب بمحاربة الفساد، وتنديد بظاهرة الاعتقال بسبب الرأي وبسبب حق يكفله الدستور المغربين الق في التظاهر والاحتجاج، هي نفسها المطالب وهي نفسها الشعارات التي يرددها الشارع المغربي، فقط الجديد، أنها تخاض من طرف جيل ظن الكثير أنه ليس له علاقة بالسياسة وأنه تماما كما حدث حين خرجت حركة 20 فبراير وان اختلف السياق.
يرى الكثيرون، أن شباب جيل زد، لا يمتلكون وعيا بأهمية التأطير كما هو متعارف عليه في الأدبيات السياسية الكلاسيكية، وأنهم يشتغلون بانفعالية، وأحيانا ب”سداجة” وعفوية، ويحتجون بدون أن يكون في حوزتهم أو يحكمهم رؤية لمشروع مجتمعي، ومنظور نظري محكم لما يشكل بديلا للواقع، الذي يسعون لتغييره، أو إصلاحه.
حكم قطعي قاصر عن استيعاب التحولات التي حدثت وتحدث
إن هذا الحكم القطعي سيظل قاصرا على فهم هذا الجيل فأحرى أن يجري التفاعل معه، أو على الأقل فهمه.
إن سلوك جيل حركة زد، هو نتاج سياق اجتماعي ناتج عن تطور حدث في النظام الرأسمالي، مع بروز النيولبرالية، سواء على مستوى المركز، أو منبته “الغرب”، و بأكثر قساوة في هوامشه، التي تعيش واقع التبعية، وتقلص هامش السيادة فعليا أمام المؤسسات المالية، البنك الدولي والصندوف الدولي، وهو ما ينطبق حرفيا على المغرب.
مع هاتين المؤسستين الماليتين، ومع الارتفاع المهول للمديونية، ومع نظام مغربي تبعي، تدهورت الخدمات العمومية، ومن تم توجد مستشفيات ومدارس لا ترقى لتطلعات جيل زد، وما يراه افتراضيا في دول أخرى.
وحيث الفساد بات بنيويا يخترق كل المجتمع عموديا وأفقيا، ويعمق النزر المتبقي من الثقة في المؤسسات، وحيث في المغرب يجري توجيه موارد مالية مهولة واستثمارات كبرى في اتجاه مشاريع من قبيل التحضير لكأس العالم 2030، ولذلك احتجاجات جيل زد، بالنسبة لهم ليس انفعاليا ولا هو سادجا ولا هو غير مؤطر برؤية، إنه صرخة لإعادة ترتيب أولويات المغرب.
لماذا طرح قضية التعليم؟
بالرجوع للأرقام الرسمية حتى وإن كانت لا تملك مصداقية لاغبار عليها، فسنجد على المستوى التعليمي أن عدد تلاميذ التعليم الأساسي هذا العام 2025، حوالي 8.27 مليون تلميذ، مقابل 299 ألف مدرّسٍ، أي بمعدل مدرِّس واحد لكل 35 تلميذاً.
وحتى مع ارتفاع ميزانية التعليم بشكل تدريجي، إذ انتقلت من 69 مليار درهم عام 2023 إلى 86 مليار درهم عام 2025 ، وهو ما يمثل قرابة 12في المئة من الميزانية العامة، فإنه لا تزال بعض الفصول الدراسية تشهد اكتظاظاً وضعفاً ونقصاً في المسلتزمات التعليمية، وتفتقر لأدنى المقومات، بعض المدارس لا تتوفر على مراحيض مثلا، وحتى إن توفرت فهي في الحد الأدنى في حالة يرثى لها، وبعيدة عن أن تكون تحترم الكرامة الادمية. بل إن 5000 مدرسة لا تتوفر على الماء بحسب ما عبر عنه وزير التجهيز والماء نزار بركة.
لماذا طرح قضية الصحة؟
بلغة الأرقام مرة أخرى، ارتفعت ميزانية هذا القطاع من 28 مليار درهم، إلى 32.6 مليار درهم عام 2025، أي حوالي 4 في المئة من إجمالي الميزانية العامة. وعلى الرغم من وجود 6 مستشفيات جامعية، وأكثر من 3000 مؤسسة صحية حكومية، فإن عدد الأطباء المسجلين لا يتجاوز 15.6 ألف طبيب، أي بمعدل 0.43 طبيب لكل ألف نسمة، في حين يبلغ المعدل العالمي 1.72. وهكذا يصنف المغرب في مؤشرات دولية ضمن المراتب المتأخرة: المرتبة 101 في جودة التعليم، و94 من أصل 99 في الرعاية الصحية سنة 2025.
هذه الأرقام تشير، أن النتائج على أرض الواقع لا ترقى إلى طموحات المغاربة، وهو ما طرحه شباب زد في الشارع و بوضوح، أو على منصات التواصل.
فالمغاربة ليس بالمطلق، يعارضون تنظيم كأس العالم في حد ذاته، ولكنهم يطرحون أسئلة عميقة حول منظور الدولة للقضايا: لماذا لا تُدار بالكفاءة نفسها مشاريع الصحة والتعليم؟ ولماذا لا تحشد الطاقات نفسها، حين يتعلق الأمر بكرامة الإنسان ومعيشة، ولماذا لا يتم إيجاد الموارد والنجاعة نفسها في تدبير قطاعات حيوية تهم صحة وتعليم المغاربة ؟
استنتاج وتحليل نقدي أولي
باستحضار ما سبق، يمكن القول:
لا، ليس من العدل أو الدقة القول إن جيل زد “لا يملك رؤية” أو “ساذج بالكامل”؛ الأبحاث تشير إلى أنهم يملكون قيمًا ورؤى، وإن اختلفت في الشكل أو المسار عن الأجيال السابقة.
نعم، هناك مكونات من الواقع تؤدي إلى أن بعض الملاحظين يرى ذلك: بيئة معقّدة، أدوات جديدة، تغيرات أسرع، وحتى وسائل إعلام تُركّز على “الجزء العاطفي” أكثر من الجزء التخطيطي.
من المهم أن نفرق بين “رؤية” تقليدية (مسار مهني من 20-30 سنة، منزل، ثم تقاعد) و”رؤية” قد تكون أكثر مرونة، أكثر تغيُّرًا، أكثر قيمة-محورية، وهذا ما يُشير إليه جيل زد. مثلاً، بدلاً من “اعتقد أنني سأعمل في شركة نفسها حتى التقاعد”، قد يقول “أريد أن أشتغل في شيء له تأثير، ثم أبدأ مشروعي الخاص، ثم أغير المسار”.
كذلك، في السياق المغربي، ربما تكون التحديات مضاعفة: بطالة الشباب، الاقتصاد غير المستقر، الفساد، تداخل المسؤوليات السياسية وغيرها حد العجز عن معرفة من فعل، وماذا فعل، والذي تضيع فيه ربط المسؤولية بالمحاسبة في ثوب الخياط، وهذا يعني أن “الرؤية” تتأثر بواقع مختلف عن الغرب — لذا ما يبدو “انفعالاً” ربما هو استجابة لواقع يتطلب تغيّرًا أسرع.
مقاربة بنيوية وسوسيولوجية
وفقًا لمدرسة دوركايم و بارسونز، المجتمع يُنتج قيمًا ومعاييرًا تُعاد صياغتها عبر الأجيال.
إن جيل زد نشأ في زمن انهيار كثير من “الوسائط الاجتماعية التقليدية” (الأسرة الممتدة، المدرسة المعيارية، الجماعات السياسية الكبرى).
ونشأ في ظل تراجع سلطة المرجعيات الثابتة، مقابل بروز المرجعية الذاتية، الفرد صار “يُعرّف نفسه” لا عبر الانتماء الطبقي أو العائلي، بل عبر الهوية الرقمية والاختيار الفردي.

جيل زد المغربي (المولود تقريبًا بين 1995 و 2010) هو أول جيل وُلد في مغربٍ منفتح رقميًا لكنه ما زال تقليديًا اجتماعيًا.
مع توسع التعليم العالي والهجرة الداخلية، ومع انتشار الإنترنت، انتقلت الهوية من “ابن الدوار أو العائلة” إلى “أنا الفرد الذي يصنع ذاته”.
يحدث ذلك، و المجتمع لم يوفر له بعد المساحات المؤسسية لهذه الفردانية (نقابات، أحزاب، حركات شبابية مستقلة)، ومن تم النتيجة: الفعل الاجتماعي يتحول من التنظيم إلى التعبير، الشاب لا ينتمي لحزب بل ينشر ستوري احتجاجية؛ لا يكتب بيانًا بل يطلق هاشتاغًا.






