الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

حادة أوعكي..صوت الجبل النسائي الأمازيغي الذي كسر الصمت

في قلب جبال الأطلس المتوسط، ووسط صدى الطبيعة الصامتة، وُلد صوت لا يشبه سواه، صوتٌ يحمل الشجن والتمرّد، ويستحضر ذاكرة النساء الجبليات اللواتي حوّلن الألم إلى لحن. إنها حادة أوعكي، المرأة التي غنّت لتاريخٍ طويلٍ من الصبر والكرامة، وجعلت من الأغنية الأمازيغية مرآةً لصوت الجبل وروحه.

المسار الفني والحياتي

النشأة والبدايات

ولدت حادة أوعكي سنة 1953 في قرية آيت إسحاق بإقليم خنيفرة، وسط بيئة جبلية محافظة تتشبّث بعاداتها وتقاليدها.

نشأت بين الجبال والسهول حيث الإيقاع الأمازيغي جزء من نبض الحياة اليومية. لم تكن طفولتها سهلة، فقد زُوّجت في سن مبكرة إلى رجل مسن يكبرها بعقود ” عمره 70 عاما”، قبل أن تتمرّد على قدرها وتختار طريقها بنفسها، متحررة من قيود المجتمع نحو أفق جديد.

عند بلوغها حوالي 16 سنة (حوالي 1969) هاجرت إلى مدينة الدار البيضاء، وانطلقت مشوارها الفني، Wikipedia مرافقة لمغنٍّ من الأطلس يُدعى ناصر أوخويا (Oukhouya) حيث شكّلت معه فرقة لمدة طويلة.

في عام 1981 تقريبا، أسّست فرقتها الخاصة مع المغنّي عبد الله الزهراوي، وبدأت تحقق شهرة أكبر، ليس فقط محلياً في الأطلس المتوسط، بل على المستوى المغربي الأوسع.

الانطلاقة الفنية

بعد طلاقها في سن السادسة عشرة تقريبًا، شدّت الرحال إلى الدار البيضاء، وهناك بدأت رحلتها الفنية رفقة الفنان ناصر أوخويا، أحد أبرز الوجوه الأمازيغية في تلك الحقبة. تشكّل هذا الثنائي في نهاية الستينيات كأحد أعمدة الأغنية الأطلسية، مقدّمين مزيجًا بين أحيدوس الجماعي وتموايت الفردية.


وفي الثمانينيات، أسست حادة أوعكي فرقتها الخاصة إلى جانب الفنان عبد الله الزهراوي، لتبدأ مرحلة جديدة من التألق، تنقل من خلالها صوت الجبل إلى المدن والأسواق والمهرجانات.

التمرّد من رحم المعاناة

لم تكن مسيرة حادة أوعكي مجرد مشوار فني، بل رحلة تحرر اجتماعي، إذ  تمردت على الصورة النمطية للمرأة القروية، لتصبح رمزًا نسويًا في الثقافة الأمازيغية، فبصوتها القوي وجرأتها في الغناء عن الحب، الخيانة، الغربة، والوحدة، فتحت باب التعبير أمام نساء الأطلس اللواتي كُنّ محكومات بالصمت.


كانت تغني للمرأة لا ككائن هامشي، بل كقلب المجتمع، كأمٍ ومكافحة ومبدعة.

البصمة الفنية

تميّز صوتها بملمسٍ جبليٍّ خشنٍ وحميمٍ في آنٍ واحد، يمتزج فيه الحنين بالصلابة. ألحانها مستلهمة من رقصات أحيدوس، وأشعارها تنبض بروح تماوايت، حيث الشعر الشعبي الأمازيغي يتحول إلى موسيقى خالدة.


تُعتبر أوعكي مدرسة قائمة بذاتها، إذ نقلت الأغنية الأمازيغية من فضاء الأعراس والمواسم إلى المشهد الفني الوطني، وجعلت منها خطابًا ثقافيًا يوثّق معاناة الناس وحكاياتهم.

التكريم والإرث الثقافي

رغم قلة التكريمات الرسمية التي حظيت بها، تبقى حادة أوعكي مرجعًا أساسياً في دراسة الموسيقى الأمازيغية الحديثة.

تناولها باحثون في مجالات الأنثروبولوجيا الثقافية والنوع الاجتماعي كرمزٍ للمرأة التي واجهت المجتمع بالغناء، وجعلت من صوتها وثيقةً للذاكرة الشعبية.


تُدرّس تجربتها اليوم في بعض المعاهد الموسيقية بوصفها نموذجًا للأداء النسائي في الأطلس المتوسط.

من أشهر أغانيها

  • “آه يا لالا” – أغنية حب تمزج بين الحنين والانتظار، تعبّر عن شوق المرأة الجبلية لحبيبها البعيد.

  • “أمان إيوي” – نداء شعبي للاستغاثة بالماء، يرمز إلى الحياة والأمل وسط القحط.

  • “إيسكرن غي تمغارين” – تروي قصة امرأة تواجه الغدر وتتمسك بالعزة والكرامة.

  • “أرياز ن تغرمت” – أغنية تمجّد الرجل الشجاع، لكنها في عمقها دعوة إلى احترام التوازن بين الرجل والمرأة في المجتمع.

على سبيل الختم

حادة أوعكي ليست مجرد فنانة، بل ذاكرة نسوية للأطلس، ومثال على كيف يمكن للفن أن يكون مقاومةً وصوتًا للكرامة. صوتها لا يزال يعيش في وجدان المغاربة، يذكّرهم بأن الفن الأصيل يولد من الجبل، من الصمت الذي كُسر، ومن امرأةٍ رفضت أن تكون هامشًا في حكاية الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى