اقتصادالرئسية

زيتون مغربي ممنوع من دخول فرنسا بسبب مبيدات محظورة

 منعت السلطات الفرنسية دخول شحنة زيتون مغربية بعد أن كشفت التحاليل المخبرية احتواءها على نسبة مرتفعة من مبيدٍ كيميائي محظور في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020، لما له من تأثيرات سامة على الكبد والجهاز الهضمي..

يبدو أن الحادثة ليست مجرد “خلل تقني”، بل ناقوس خطر يدق أبواب وزارة الفلاحة ومؤسسات المراقبة المغربية، التي ما زالت تتعامل مع الأمن الغذائي بعقلية “الكم لا الكيف”.

فضيحة بطعم الزيتون… ومبيدات بطعم الإهمال

من جهتها لم تترك التحقيقات الفرنسية مجالاً للشك: الزيتون المغربي الذي كان في طريقه إلى الأسواق الأوروبية مُحمّل بمبيدٍ كيميائي لا مكان له في أي منتج موجّه للاستهلاك البشري.. و القرار الفرنسي، وإن بدا في ظاهره إجراءً صحياً روتينياً، إلا أنه في باطنه صفعة موجعة لقطاع فلاحي طالما تغنّت به الحكومة كقصة نجاح ضمن *الجيل الأخضر” لكن أي” خُضرة” تلك حين تلوّثها المبيدات المحظورة وتغيب عنها أدنى شروط التتبع والمراقبة؟

65% من المواد الفلاحية في الأسواق المغربية لا تخضع لتحاليل دورية منتظمة

إذا كانت السلطات الفرنسية قد تصدت للشحنة الملوثة حمايةً لصحة مواطنيها، فالسؤال المؤلم: من يحمي المواطن المغربي الذي يستهلك منتجاتٍ مشابهة كل يوم دون أن تُجرى عليها التحاليل ذاتها؟

أرقام “مرصد حماية المستهلك” تؤكد أن أكثر من “65% من المواد الفلاحية في الأسواق المغربية لا تخضع لتحاليل دورية منتظمة” ، في وقتٍ تتحدث فيه تقارير المنظمات الدولية عن “استخدام مفرط للمبيدات في الزراعات المتوسطية، منها ما يتجاوز المسموح به بنحو 200%” ، إنها سياسة غذائية قائمة على المجازفة بصحة المواطنين مقابل سباقٍ محموم نحو التصدير، حتى لو كان الثمن” تسميم الذات قبل الآخر”.

الرقابة الغائبة… أو الحاضر الغائب

و فيما تكرر الحكومة في تصريحاتها أن “الرقابة قائمة”، فإن الواقع يكشف عكس ذلك.. فعدد مفتشي المراقبة الفلاحية في المغرب لا يتجاوز “300 مفتش فقط لتغطية أزيد من 700 ألف هكتار من الأراضي المزروعية” ، وفق معطيات رسمية صادرة عن وزارة الفلاحة نفسها، أما المختبرات المكلفة بمراقبة جودة المنتجات، فهي قليلة التجهيز وبطيئة الإجراء، ما يجعل عملية الكشف عن المبيدات الضارة أقرب إلى “البحث عن الإبرة في كومة قش”،

سمعة الصادرات المغربية على المحك

حادثة الزيتون ليست معزولة؛ فقد سبقتها تقارير أوروبية مشابهة تخص الفواكه الحمراء والطماطم المغربية، حيث وجه الاتحاد الأوروبي في 2024 أكثر من “15 إنذاراً صحياً يتعلق بمبيدات تتجاوز النسب المسموح بها” في منتجات مغربية، ما يهدد مستقبلاً قطاعات تصديرية تدر مليارات الدراهم سنوياً وتوظف آلاف العمال.. فهل تُدرك الحكومة أن كل شحنة ملوّثة تُعيد سنواتٍ من “التسويق الأخضر” إلى نقطة الصفر؟

زراعة بلا ضمير… وتصدير بلا مسؤولية

القضية لا تتعلق فقط بالمبيدات، بل بنموذج فلاحي كامل يقدّم الأرباح على حساب سلامة الإنسان، فالمزارع الصغير، الذي لا يتلقى تكويناً كافياً ولا مراقبة تقنية حقيقية، يُترك فريسة لتجار المبيدات، بينما تُغضّ المؤسسات الطرف عن الخروقات مادامت “العجلة تدور” ، إنها معادلة مختلّة تفرز غذاءً ملوّثاً ومجتمعاً مريضاً، في ظل غياب سياسة وطنية صارمة توازن بين الإنتاج المكثف وحماية الصحة العامة.

من زيتون مسموم إلى منظومة مسمومة

حادثة الزيتون المغربي المرفوض أوروبياً ليست أزمة صادرات، بل أزمة ثقة في منظومة الرقابة بأكملها.. إنها مرآة لخللٍ أعمق، حيث تتفوق شعارات “الجيل الأخضر” على واقعٍ رماديٍّ يهدد صحة المواطن وسمعة الوطن.

لقد آن الأوان لأن تتحول وزارة الفلاحة من إدارة للإنتاج إلى “حارس حقيقي للأمن الغذائي” ، وأن يُفهم أن حماية المستهلك ليست ترفاً بل ركيزة للسيادة الوطنية.

فحين يصبح الزيتون – رمز السلام – مصدراً للسموم، فلا عجب أن يختلّ ميزان الثقة بين المواطن والدولة… وبين المغرب والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى