الرئسيةحول العالمرأي/ كرونيك

امرأة تُغتصَب مراراً حتى يفقد الجسد معناه، ورجل يُرمى إلى الكلاب..جرائم في زنازين الاحتلال

تقديم: دابا بريس

ثمّة لحظات يصبح فيها الصمت جريمة، والحياد خيانة، وما يجري خلف أبواب السجون الإسرائيلية ليس سوى امتحانٍ أخلاقي سقط فيه العالم دون مقاومة.

فهذه الشهادات التي تُدلي بها نساء ورجال خرجوا من الأقبية، ليست حكايات تُروى، بل صفعات على وجه الإنسانية، صفعات تهزّ الضمير حتى يتشقّق، ثم لا نسمع إلا صدى اللامبالاة الدولية.

امرأة تُغتصَب مراراً حتى يفقد الجسد معناه، ورجل يُرمى إلى الكلاب لتنهش كرامته تحت إشراف جنودٍ يجدون في الإذلال نشوةً وفي الانتهاك متعة سلطة. ليس هذا فلتة غضب جندي، ولا انحراف فردٍ تائه… بل منهج مُحكم، جريمة تُدار بدم بارد داخل منظومة تعتبر الجسد الفلسطيني هدفاً مشروعاً.

ما يحدث في السجون ليس ظلماً… إنه إهانة للعالم كلّه. إهانة تُرتكب باسم الأمن، وباسم الحرب، وباسم ذرائع لم تعد تُقنع أحداً سوى الذين اختاروا قتل ضميرهم طوعاً. وما نكتبه اليوم ليس وصفاً للوجع، بل غضباً على عالمٍ بات يرى في الفلسطيني مادةً قابلة للكسر، وفي الجريمة حدثاً عابراً لا يستحق الوقوف عنده.

“دابا بريس”تعيد  تنشر مقالة الرأي لكاتبتها الفلسطنية، ريما كتانة نزال، والتي نشرتها في جريدة “الأيام الفلسطنية” وفيها شهادات مؤلمة وتبعث على الغضب تجاه كيان صهيوني مجرم، يقفز على كل القوانين الإنسانية وعلى كل الأعراف، ويظهر بوجهه القبيح المخزي….

بقلم: الكاتبة الفلسطنية ريما كتانة نزال

تختم ن.أ، التي تبلغ الثانية والأربعين من عمرها، شهادتها للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بقولها:

«في هذا اليوم تعرّضت للاغتصاب مرتين. تُركت يوماً كاملاً بلا ملابس داخل الغرفة التي بقيت فيها ثلاثة أيام. في اليوم الأول تم اغتصابي مرتين، وفي اليوم الثاني مرتين، وفي اليوم الثالث بقيت بلا ملابس وكانوا ينظرون إليّ من فتحة الباب ويصوّرونني. قال لي أحد الجنود: سوف ننشر صورك على مواقع التواصل. وخلال وجودي في الغرفة جاءتني الدورة الشهرية، فطلب مني ارتداء ملابس ونُقلت بعدها إلى غرفة أخرى».

وفي شهادة أخرى، يروي أ.أ، وهو رجل وأب فلسطيني يبلغ من العمر 35 عاماً، عن اعتقاله من مستشفى الشفاء في مارس 2024، تفاصيل 19 شهراً من التعذيب: التعرية، الشتائم النابية، التهديد باغتصابه هو وعائلته، وصولاً إلى اغتصابه من قبل كلب مُدرّب داخل معتقل سديه تيمان العسكري.

من هم هؤلاء الجنود الذين يقفون خلف هذه الشهادات؟ وما هي القيم والأخلاق التي ينتمون إليها؟ وما هو موقف المؤسسات الدولية المعنية إزاء هذا النوع من الجرائم بحق الأسرى والأسيرات؟ ولماذا، حين تقع جرائم مشابهة في أفريقيا أو سورية أو بحق الإيزيديات في العراق، تُعقد المؤتمرات ويُسلّط الضوء، بينما يُبتلع الصوت حين يكون الضحايا فلسطينيين؟

هل يعتبر العالم ما يحدث في فلسطين مجرد «أعراض جانبية للصراع»، أم أن مشاهد القتل والتدمير والتهجير والتجويع باتت تغطّي ما عداها، لتسدل ستار النسيان على الجرائم الجنسية في الزنازين؟

الشهادات التي وثّقها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تكشف ارتكاب جرائم اغتصاب وتعذيب جنسي، خلف قضبانٍ حديدية وجدرانٍ صمّاء تختنق فيها الصرخات. في سجون تُدار تحت سلطة المتطرّف بن غفير، يُمارس الاحتلال سلسلة من الفظائع التي لا تقلّ وحشية عن المذابح. وهي شهادات تُحمِّل الضمير الإنساني عبء الكرامة المكسورة والإنسانية المهشّمة.

وفي المقلب الآخر، تُلاحَق المدعية العسكرية في سجن سديه تيمان لأنها سمحت بتسريب فيديو يُظهر جندياً يرتكب فعلاً جنسياً قسرياً بحق أسير من غزة.


الجريمة نفسها لا تهزّ منظومة الاحتلال، بينما تُوجَّه الانتقادات لِمن فضحتها!

هذه المفارقة وحدها كافية لفضح منطق المؤسسة العسكرية الحاكمة للسجون.

لقد وثّق المركز حالات اغتصاب وتحرّش جنسي وإذلال جسدي على لسان ناجين وناجيات، رغم أن العادة لا تتجه إلى الإدلاء بهذه النوعية من الجرائم الخادشة للحياء، ولأسباب تتعلق بالخصوصية الثقافية الفلسطينية، فيما تُحوّل سلطات الاحتلال أجساد الأسرى إلى أدوات للانتقام وكسر الإرادة.

وهذا يتطابق مع التوسيع الذي أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لتعريف العنف الجنسي المرتبط بالصراع المسلح وأحدها الاحتلال، باعتباره جريمة قائمة بذاتها وذات صلة بالصراع نفسه وليست «أضراراً جانبية للحرب».

إن التعذيب في سجون الاحتلال ليس عشوائياً ولا فردياً. إنه منظومة منهجية مُخطّط لها، تستهدف هدم الشخصية الفلسطينية. فالاحتلال لا يكتفي بالقتل خارج السجن، بل يواصل داخل الزنازين منهج احتلال الجسد وتجريده من الإنسانية، ضمن منظومة مُحكمة من الإذلال والهيمنة، مغلقة عن العيون.

ماذا علينا أن نفعل؟

لا يكفي نشر تقرير مجلس حقوق الإنسان؛ بل يجب تحويله إلى معركة مفتوحة لعزل الاحتلال حتى النهاية وآخر نقطة في سطور الوثائق والشهادات المقدمة. المطلوب حملات وطنية ودولية تُسلّط الضوء على هذه الجرائم، والتواصل مع المنظمات الدولية ووسائل الإعلام، ودفع الأمم المتحدة لفتح تحقيقات، وتحويل الشهادات إلى ملفات قانونية تُقدَّم للمحاكم الدولية، وملاحقة كل مسؤول عن الجريمة، ومنع إفلاتهم من العقاب، لأن الصمت تواطؤ، وكل من يصمت شريك. والانتظار يعطي الاحتلال ضوءا أخضر للاستمرار. كل هذا يحصل ويعمم على الملأ، بينما يستمر العالم في محاولات بيعنا الخطط التي تحمل عناوينها السلام الذي يبقي الاحتلال على مقربة من المصيد.

لا تكفي قراءة الشهادات، بل ينبغي تحويل قصص الأسرى وعذاباتهم إلى مادة إعلامية وسينمائية تُظهر للعالم أن جرائم الاحتلال لا تجري فقط في ميادين القتل المكشوفة، بل في دهاليز السجون المغلقة حيث تُرتكب الفظائع التي لا تُرى.
وأختم بما قالته إحدى المعتقلات في شهادتها، لتكون دافعاً لرفع صوت الأسرى والأسيرات:


«انتهكوني عدة مرات. لا أحد يسمع. لا أحد يرى.

يبدأ كل شيء كيوم عادي، ثم يتحوّل إلى ليلة لا تُحتمل. ليس هذا سرداً متخيّلاً، بل واقع يُسجَّل في السجن بهدوءٍ مُخيف، لأن خلف هدوء السجون فظائع لا تُرى».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى