ذاكرة: طرائف المعتقلين السياسيين..عبدالله زعزع حكايتي مع أختي و”القنية” التي أكلناها “مشي بالخاطر”…(صور)
رحل اليوم الثلاثاء 11 ماي 2021، عبدالله زعزع بعد معاناة مع المرض، و زعزع من المناضلين الذي عانوا سنوات طويلة من الاعتقال، وكانت “دابا بريس” نشرت سلسلة من جلسات مع العديد من المعتقلين السياسيين كان من ضمنهم عبدالله زعزع وطرائف حدثت أثناء الاعتقال..
“دابا بريس” تعيد نشر الحلقة التي جرت مع المناضل عبدالله زعزع بهذه المناسبة الأليمة:
هم أصحاب مواقف معارضة، قادتهم إلى غياهب المعتقلات السرية، المعروفة منها والمجهولة العنوان..سياسيون أمضوا سنوات طوال خلف الأسوار والأبواب الموصدة في زمن الجمر والرصاص.. قاوموا العزلة وبرودة السجن، وحاولوا النجاة بإرادتهم من أجواء المعتقل بعدما خلقوا أجواء من الفرح من عمق الألموالتوتر والقلق والكآبة والخوف..منهم من قضى في السجن، ومنهم من غادر أسواره بأعطاب نفسية عميقة، أضحت لحظات الألم فيها الآن، أو عند كل استدراج للذاكرة عنوانا للتفكر من المرحلة وثقل المرحلة.
في هذه الفسحة، ثمة طرائف للمعتقلين السياسيين، جديرة بأن تُروى، تمكنوا من خلال عفويتها ومواقفها وصناعتها أحيانا، التحرر من قسوة المكان وسطوة السجان.. تعيد “دابا بريس” نشر مروياتهم، التي حكوها ذات ليال رمضانية، للزميلة “هدى سحلي”
ومن بين هؤلاء المعتقل السابق عبد الله زعزاع، فيحكي مثل كثيرين هنا، كيف انتصر بمعية زملائه على ظلمة الزنزانة وتعذيب السجان بسلاح السخرية وصناعة الطرائف المنقوعة من كوميديا المواقف.
عبد الله زعزاع
حكايتي مع أختي و”القنية” التي أكلناها لكن “مشي بالخاطر”…
حين اتصلت بعبد الله زعزاع، لم أكن واثقة أني سأجد في ذاكرته، ما يضحك في تجربته السجنية، وهو الرجل الذي حوكم بقضاء حياته كاملة في السجن، وليس بعضها، فكان من البديهي أن يكون “رجلا لا يضحك” كما قال لي على الهاتف، لكنه عندما يبدأ بالحكي، تجد عنده ما يضحك حتى يسيل الدمع.
استضافني عبد الله، واحد من أصحاب أشهر مغامرات الهروب من السجن، في بيته، وبكل جديته المعهودة جلسنا على طاولة مستديرة منتصف مكتبه، فالبنسبة له، المكتب هو المكان الأنسب لأي عمل حتى لو كان مجرد حديث أو دردشة تغوص في عمق الذاكرة، ووضع أمامه ورقة سجّل فيها بعض من الأفكار التي قد تصلح مادة للطرفة أو لنقل للسخرية المريرة، التي كانت تجسدها اللحظة.
تعود الذاكرة إلى لحظة النطق بالحكم المؤبد…هناك من الرفاق من حوكم بعشر سنوات أو بعشرين سنة، لكن نصيب عبد الله كان المؤبد، كان سيقضي سنوات عمره في السجن، دون أن يعد كم مضى من أيامه وكم تبقّى، فقد تبقى له كل الأيام… لماذا المؤبد؟ مالوا قاتل حمار؟! أو هكذا استنكرت أخت زعزاع الحكم. يقول إنه لما خرج من عند قاضي التحقيق، وجد عائلته في انتظاره بالممر في المحكمة، انقضت عليه أخته تعانقه وتمطره قبلا، غير مصدقة لحكم القاضي، وكان شرطي يرافق زعزاع، نهرها قائلا “حيدي من هنا”، فما كانت إلا أن تجيبه “خويا…ومالو قاتل حمار؟!” قالت جملتها وانفجر الجميع ضاحكا حتى الشرطي، الذي أجابها “على هو كون كان قاتل حمار، غادي يجيبوه هنا؟” يتابع عبد الله وهو يضحك “زعما لي قاتل حمار يستاهل المؤبد؟؟؟”
طرائف زعزاع مع الأخت استمرت إلى ما بعد النطق بالحكم، في السجن المركزي بالقنيطرة، وهناك يتذكر عبد الله أنه كان قد تلقى رسالة حب وإعجاب من إحدى جاراته، لكنه ظن أن أخته هي صاحبة الرسالة وتريد الضحك معه، فقرر مجاراتها في اللعبة، حمل ورقة وقلما وكتب ما جادت عليه قريحته من مشاعر الاعجاب وكلمات الحب والغزل، وبعث بالرسالة إلى نفس العنوان، ظنا منه أنها أخته، التي ما إن علمت بأمر الرسالة حتى جاءته إلى السجن، ويدها على رأسها تستفسر عن الأمر، وكانت تلك أول رسالة وآخرها يكتبها زعزاع إلى من اعتقد أنها أخته.
ومن المواقف التي أسعفته الذاكرة على استرجاعها ولو بمرارة، يتذكر عبد الله، أنه قام بتربية “قنيّة” في السجن، بالرغم من تحفظ بعض الرفاق على ذلك، بحيث كانوا قد أنشئوا حديقة صغيرة بباحة السجن، بها بعض النباتات والخضر كالخسّ، وكانوا يخافون على نباتاتهم من أرنبة زعزاع، وكان خوفهم في محله، فـ”القنية” عثرت على الحديقة في غفلة منهم، وأكلت كل شيء بها، ولم تترك لهم حتى الخُضرة تسرّ ناظرها، وما كان لهم إلا أن أقفلوا الممر المؤدي للباحة التي توجد بها الحديقة، وأصبحت تلك “القنية” كل يوم تقف أمام الممر، تشمشم حواف الباب باحثة عن منفذ لغنيمتها.
وبعد مرور حوالي ستة أشهر، قال زعزاع، أنه قرر ورفيقه، التخلص من القنية، فأخذوا يفكرون كيف؟ هل يخرجونها إلى خارج الحي ويتركونها تمضي سبيلها؟ لكن ماذا لو عثر عليها باقي السجناء؟ طبعا سيذبحونها يقول زعزاع، لذلك قررنا ذبحها نحن “اللهم فينا”…سألته، جاكم لحمها بنين؟ صمت لبرهة، طأطأ رأسه للأسفل والحزن بدا على وجهه وجاء صوته خافتا حزينا “أكلناها لكن ماشي بالخاطر”.