قفة الذل أو في تنمية الفقر…
أصبحت “القفة” من ثوابت البلد حتى أنها تعفي المرء من ضرورة الإمساك بمفردات علم الإقتصاد المعقدة حتى يتمكن من تفكيك جوهر السياسات العمومية. هذه “القفة” العجيبة التي تعطي المعنى الحقيقي لإستثنائيتنا أصبحت نقطة برنامجية ذات أولوية قصوى في أجندة جل الفاعلين السياسيين.
ففي كل الأيام المخصصة لشراء محبة الله يتسابق القصر والأحزاب الفاسدة والجمعيات الصفراء والخضراء وأصحاب الثروات الكبرى والمشبوهة… لتسويق صور تذكارية تؤرخ لعطفهم على بؤساء البلد وهم يمدونهم “قفة” مصنوعة من “الدوم” والذل.
“القفة” العجيبة لا يوجد بها لا حبار ولا لحم ولا فاكهة ولا ما شابه ذلك من طعام علية القوم ولا حتى شرائح من لحم الدجاج الرخيص، وكأن فقراء البلد لن يحسنوا طهيها أو ليس لهم لسان يتذوق طعمها أو أنها ستعلمهم “الضسارة”. فالقليل من السكر والزيت والدقيق…كاف لتكون صدقة جارية تجعل الفقراء يتعرفوا على من “يحسن” إليهم دون أن يتخلصوا ولو للحظة عابرة من وجبتهم الأبدية: الخبز والشاي!!!
“القفة” تحيل على عقلية وإيديولوجية قديمة قدم المخزن تريد مأسسة الفقر بدل خلق مؤسسات تحاربه. فالفقر إن هو سكن إلئ جانب الجهل يتحول لتجارة سياسية مربحة تجعل الفقير يعبر عن امتنانه لمن يمنحه “قفة” البؤس والهوان. فكلنا نعرف أن الخزانات الانتخابية التي توجد بالأحياء الهامشية والتي تحركها السلطة لفائدة أحزابها الفاسدة تتشكل من هؤلاء الفقراء اللذين يصوتون مقابل الإستفاذة من حملات الختان الجماعي وتوزيع المحفظات المدرسية و”قفة” رمضان…
“قفة” الذل هذه هي عنوان لإرادة سياسية لا تريد للإنسان المغربي أن يستفيد من حماية اجتماعية دائمة ومن خلال مؤسسات قائمة بذاتها تساهم في منح هذا الإنسان القدرات الضرورية لممارسة مواطنته كاملة. فوجود مثل هذه المؤسسات ستساهم في الإنتقال بشريحة كبيرة من المغاربة من شرط “العبودية الغير إرادية” إلى شرط الإنسان الحر الذي يعتبر كرامته احتياجا سابقا على الاحتياجات البدائية التي يتشاركها مع قبيلة الحيوانات.
والغريب في الأمر أن بعض من ينتمون لمعسكر التقدم يتهافتون ليلتحقوا بمعسكر “القفة” حتى يتجاوزوا خسائرهم المتتالية في ساحة الإنتخابات. هذا البعض تجده يطلب دون أن يرف له جفن من يشاركه نفس السقف الاجتهاد في تقديم الخدمات/الهبات لمن لا يملكون حيلة حتى يفوز بأصواتهم ويقف ندا لتجار الدين والفقر، زعما !!!
يا صاحبي، فقراؤنا يحتاجون لدخل قار ومحترم ولمدرسة عمومية مواطنة ولخدمات صحية حقيقية حتى يستعيدوا إنسانيتهم وحتى ينعتق البلد كله من المراتب الأخيرة في سلم التنمية البشرية. يا صاحبي، يجب على تلك “القفة” السيئة الذكر أن تختفي نهائيا من حياتنا حتى لا نشرب حريرة رمضان بطعم الذل.