حدة حزام: الغرب صنع من الموروث الديني قنبلة موقوتة
أجرى الحوار: الصحافي والإعلامي التونسي عيسى جابلي حوارا مع الإعلامية الجزائرية حدة حزام نشرته الموقع الإعلامي حفريات، وفيه دعت الإعلامية الجزائرية حدة حزام إلى ضرورة بناء مجتمعات متنورة تقدس حقوق الإنسان، وتعمل بالتالي على إعادة النظر في النص الديني وفي التفاسير بهدف “قراءة جديدة” للقرآن من أجل تحرير العقل مما علق به تراكمات حالت بينه وبين الانخراط في العصر.
وأكدت حزام، في حوار لـ “حفريات”، أنّ داعش تمثل جزءاً من التراث الفقهي الإسلامي؛ لأنها تستمد مرجعياتها منه ولأن كل ما تقترفه مستوحى من أحداث تاريخية مارسها المسلمون لما كانوا في أوج قوتهم؛ لأن “كل الجرائم التي قامت بها مبررة في التراث الديني وعرف التاريخ الإسلامي أبشع منها” على حد تعبيرها، مؤكدة في الوقت نفسه أنّ كل تاريخ الأديان قد شهدت مظاهر عنف من حرق وإعدامات وغيرها.
ودعت حزام إلى بناء دول علمانية حديثة تتبنى حقوق الإنسان وحرية المعتقد.
لنبن دولاً علمانية ومجتمعات متنورة تفصل الدين عن الدولة وتضمن حرية المعتقد للجميع، وتتبنى حقوق الإنسان
وتعد حدة حزام من أبرز الكاتبات الجزائريات؛ إذ خاضت مسيرة في الصحافة تتجاوز 28 سنة. ولها بحوث في العلاقات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وأخرى عن شؤون الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي.
هنا نص الحوار:
عندما نتساءل عن مرجعية “داعش”، كثيراً ما يطرح سؤال العلاقة الحقيقية بين هذا التنظيم الإرهابي والإسلام، كيف ترى حدة حزام هذه العلاقة؟ هل يعمل أعضاؤه وقياداته بتعاليم الدين الإسلامي؟
سؤال سهل وصعب في آن واحد؛ لأن الكثيرين يحاولون تبرئة الإسلام مما تقترفه داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، سواء كان اسمها القاعدة أو جبهة النصرة أو الهجرة والتكفير من جرائم، ونسمع ونقرأ دائماً أنّ الإسلام بريء منهم، لكن لا أحد اعترض لمّا برأ الأزهر داعش، وقال: لا يمكن تكفيرهم لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا دليل على أن داعش لم تأت بشيء جديد في جرائمها. كل الجرائم التي قامت بها مبررة في التراث الديني وعرفت التاريخ الإسلامي أبشع منها، وبعض الباحثين المدققين يشيرون إلى أحاديث توظف في العنف تنسب للرسول مثل (جئتكم بالذبح) الذي رفع شعاراً لتنظيمات إرهابية مثل؛ القاعدة وداعش، حتى إننا ما زلنا نردد في حديثنا اليومي “افعل كذا بالسيف عليك” أي افعلها رغماً عنك. وبعض الباحثين يشيرون إلى أن الإسلام، كما تذكر روايات، انتشر بحد السيف وكانت الغنائم والسبايا هي جزء كل من يشارك في الغزوات، وداعش هي الأخرى تسبي وتسترق الفتيات وتقيم أسواقاً للجواري مثلما كان ذلك معمولاً به في العصور الأولى للإسلام كما يعتقدون. داعش تطبق الإسلام كما تخيلته في سنواته الأولى تحت مسمى الغنيمة أو الجزية.
لماذا يتفادى الأزهر تكفير داعش ويقول لا يمكن ذلك لأنهم ينطقون الشهادتين؟
كراهية الإسلام، لماذا؟
لكن ألا ترين أن هذا الخطاب يتماهى تماماً مع من يعتبرهم كثير من المسلمين “أعداء للإسلام” ويسهل عليهم بالتالي تقمّص دور الضحية التي قد تبرر ما يقترفه “داعش” من جرائم إرهابية؟
أكره شيء عندي هو هذا الادعاء، ادعاء المتخفي تحت مسمى كراهية الإسلام، والذي يحتمي به المسلمون في البلدان الغربية تحديداً، فكلما قامت جماعة إرهابية أياً كانت تسميتها بجريمة، يخرج المسلمون يبكون ويشتكون من كراهية الغرب للمسلمين والإسلام، ويلتزمون دور الضحية، مع أن الضحية هم الآخرون، ففي عملية شارلي إيبدو مثلاً التي هزت فرنسا منذ سنوات خرج “الدواعش” في كل البلدان الإسلامية يدينون شارلي إيبدو حاملين كلمة “كلنا محمد” مع أن الذين قتلوا هم صحفيون لا سلاح في أيديهم إلا القلم، لا عدو للإسلام إلا بعض المسلمين أنفسهم، ليس في بلاد الغرب فقط بل في البلدان الإسلامية نفسها، وإلا كيف نفسر خروج “دواعش” في مسيرة في هولندا للمطالبة بتطبيق الشريعة في بلاد آوتهم ومنحتهم حقوقاً لم تعطها لهم بلدانهم الأصلية؟
يدافع كثير من المسلمين عن فكرة أن “داعش” لا يمثل الإسلام ولا يمت له بأي صلة، هل يمثل “داعش” الإسلام برأيك خصوصاً أنه يستدل على كل ما يقوم به بنصوص قرآنية وحديثية؟
جوابي الأول في الرد على سؤالك هذا، نعم داعش تمثل جزءاً من التراث المنسوب للإسلام، في بعض تصوراته، وقد كتبت مقالاً في هذا السياق لما أحرقت داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وهم يرددون حديثاً لشيخهم ابن تيمية، وقلت أحرقوا كتب ابن تيمية وطهروا التراث الديني من العنف، فقامت القيامة وحكم عليّ بالإعدام. ثم أليس ما استند إليه ابن تيمية يبرر الإرهاب الذي تقوم به داعش وكل دواعش القرون الماضية، حتى قبل ظهور الحشاشين في قلعة آلموت.
أليس ما استند إليه ابن تيمية يبرر الإرهاب الذي تقوم به داعش؟
الصراع سياسي
في المقابل يعتمد بعض الباحثين تصريحات بعض المعتقلين الذين أفرج عنهم “داعش” ومنهم الصحفي الفرنسي (ديديه فرانسوا) الذي قال: “لم يكن هناك أي نقاش حول نصوص الشريعة.. النقاش لم يكن دينياً بل سياسيا”ً، يعتمدون هذه التصريحات للتأكيد على أن التنظيم هو صناعة غربية محضة لتنفيذ سياسات الغرب في الشرق الأوسط، إلى أي مدى يمكن الثقة في جدية هذا الطرح برأيك؟
نعم التنظيم سياسي، وحتى السنة والشيعة هي الأخرى تسميات سياسية والصراع بينهما سياسي منذ سقيفة بني ساعدة، والجماعات الإرهابية؛ القاعدة وبعدها داعش مدعمة وممولة ومسلحة من الغرب ومن حلفائهم، لكنهم لم يأتوا بالفكر الذي تستند إليه من العدم، بل أعطاهم بعض التراث الديني كل المبررات؛ فالغرب استغل هذا الموروث ليصنع منه قنابل موقوتة لا تتوقف عن الانفجار كلما كانوا في حاجة لذلك، وستكون هناك داعش بتسميات مختلفة لاحقاً طالما أنهم في حاجة لمشروع تدميري للمنطقة.
في سبتمبر 2014 وقّع ما يزيد عن 120 عالماً إسلامياً رسالة مكونة من 18 صفحة موجهة إلى البغدادي انتقدوا فيها نقطة بنقطة تصرفات “داعش” وفندوها داعمين انتقادهم بآيات من القرآن ونصوص الشريعة، واعتبر الأزهر أن “داعش” يتصرف بمظهر إسلامي فقط للترويج لأطروحاته، ألا يكفي هذا برأيك لتبرئة الإسلام والمسلمين من “داعش” وما تقترفه؟
لا أتذكر الرسالة، لكن لماذا إذاً يتفادى الأزهر تكفير داعش ويقول لا يمكن تكفيرهم لأنهم يشهدون لا إله إلا الله محمداً رسول الله؟
الرسالة محاولة يائسة لتبرئة بعض التراث الديني من العنف الذي يضمه، ولا بد من الوقوف لحظة صدق مع النفس، لتطهير الموروث من العنف الذي بني عليه، تعاليم ابن تيمية خطيرة وتزرع الكراهية والأحقاد، ومفهوم الجهاد أيضاً خطير، لأنه يقسم العالم إلى قسمين، دار سلام ودار حرب، ودار الحرب أصبحت الآن تضم حتى البلدان المسلمة التي ترى داعش في حكامها طواغيت وجب قتالهم قبل “المشركين”.
كل تاريخ الأديان السماوية لها جانب من العنف
كل الأديان تتضمن عنفاً
أنت تحمّلين التراث الديني مسؤولية ما يمارسه تنظيم “داعش” الإرهابي، ولكن كل النصوص الدينية غير الإسلامية قد تضمنت أيضاً آيات تحث على العنف والدم، فلماذا لم يتم استغلالها مسيحياً أو يهودياً بالطريقة التي استغل بها “داعش” النصوص الإسلامية برأيك؟ هل نحن إزاء “استثناء إسلامي”؟
بل كل تاريخ الأديان السماوية لها جانب من العنف، ألم تعدم الكنيسة “غاليلي” لأنه قال إن الأرض تدور؟ ولا تنس الصراعات الدينية بين كاثوليك وبروتيستانت، لا تنس مذبحة “سانت بارتيليمي” التي أعدم فيها الكاثوليك المئات من البروتيستانت في الساحات، لكن المسيحيين وضعوا حداً لسطوة الكنيسة والصراعات الدينية، بتبنيهم اللائكية بفصل الدين عن الدولة، تركوا العبادات في الكنيسة، وضمنوا الحريات في الفضاء العام بالاحتكام لقوانين وضعية.
حسناً، ألا ينبغي التفريق بين النص الديني وممارسة المسلمين التاريخية له برأيك؟
مثل ماذا؟ صحيح أن الدولة الأموية استغلت الدين وفصّلت بعض الأحاديث على مقاسها للتحكم في رقاب الناس، وقادت حملات سمتها بالفتوحات باسم الدين، لكن الهدف الحقيقي منها هو التحكم بثروات الشعوب التي وصلتها تحت لواء الرسالة الإسلامية، ولا أرى طوال التاريخ ما يفصل بين بعض التراث الديني والممارسات التي طبقتها الدولة الإسلامية التي حكمت العالم العربي والإسلامي، حتى في الأندلس أين بنى المسلمون دولة قوية ومتطورة، لم يختف فيها العنف، فكم من عالم ومفكر وفيلسوف حكموا عليه بالهرطقة وأعدموه؟ هذا إذا لم يحرقوا كتبه وينفوه مثلما فعلوا مع ابن رشد، والوضع لم يكن بالأفضل في الدولة العباسية ببغداد، رغم تشجيع أبناء هارون الرشيد لثورة علمية بتأسيس دار الحكمة، لكن لماذا استمرت أسواق النخاسة والجواري في كل قصور بني أمية والعباسيين؟ ألم يحرم الاسلام العبودية؟
العلمانية هي الحل
كيف ينبغي أن نتعامل مع النص الديني إذاً كي لا يؤدّي إلى التطرّف والإرهاب؟
لندع الدين في المؤسسات الدينية، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولنبن دولاً علمانية، تفصل الدين عن الدولة وتضمن حرية المعتقد للجميع، لا جزية ولا حد الردة، مجتمعات متنورة، تتبنى حقوق الإنسان مثلما هو معلن عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تتساوى فيها النساء والرجال، هكذا فقط نتجنب التطرف، لكن ما دامت بلداننا تستند إلى ما تسميه الشريعة في قوانينها، وتحتوي قوانينها على مواد تطبق حد الردة على من يرفض الدين الإسلامي أو الملحدين، فالتطرف في هذه الحالة يكون مقنناً وتمارسه الدولة نفسها وليست الجماعات الإرهابية فقط.
تحاول المناهج التعليمية في بعض البلدان العربية أن تقدم مادة مختارة تدّعي أنها تحضّ على التسامح وقبول الآخر، وتسعى لتقديم صورة إسلام معتدل يرفض التطرّف، ما تقييمك لما يدرسه التلاميذ ويتربون عليه في مادة التربية الإسلامية؟ وهل يساهم ذلك في تخفيف وطأة الإرهاب والتطرّف برأيك؟
عن أية تربية إسلامية تتحدث؟ عن تلك التي تحض على تعدد الزوجات وما ملكت الأيمان، أو عن تلك التي تدعو لقتل اليهود والنصارى أو تدعو لحرق زرعهم وقطع نسلهم وتدميرهم، أم عن تلك التي تتوعدهم بعذاب القبر؟ لم أقرأ حتى اليوم في كتب التربية الإسلامية ما يدعو للتسامح بين مختلف الديانات والطوائف، وما ينبذ العنصرية، كتب التربية الإسلامية عندنا تضع المسلمين فوق كل الأمم، بينما الواقع أننا في ذيل الترتيب نأكل ما لا نزرع ونلبس ما لا نصنع، كل ذلك لأننا نبذنا العقل، وحرمنا الفلسفة وحرية التفكير وحرمنا الاجتهاد.
علينا أن نعيد النظر في التراث الديني وفي كتب التفاسير وأن نقدم قراءة حضارية جديدة للقرآن، هذا إذا كنا حقاً نرغب في تحرير العقل من التراث الملتبس.
المصدر: عن موقع حفريات