تعديل حكومي باهت ولن يشكل أية إضافة لمشهد سياسي لا يعبر فعليا عن دينامية الحقل السياسي
كما كان متوقعا أعلن أمس الأربعاء عن تشكيلة جديدة للحكومة، بعد تعديل وزاري، رفع عدد الوزراء بدون انتماء حزبي ل 9 وزراء، و قلص عدد حقائبها من 39 إلى 24، وأسندت لأربع نساء وزارات، العنوان الذي تحكم في هذا التعديل، أنه يأتي في سياق الجهود المعلنة للنهوض بالأوضاع الاجتماعية وتجديد النموذج التنموي في المملكة.
تصريحات رئيس الحكومة سعدالدين العثماني، اعتبرت أن التركيبة الحكومية الجديدة تنسجم و المعايير التي شدد عليها الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش الأخير، والقائمة على الخصوص في إدماج عدد من الكفاءات الجديدة، التي تراعي تمثيلية النساء والشباب، مشيرا إلى أن “عملية التشبيب تعد ضرورية ليس فقط بالنسبة للمسؤوليات العليا لكن حتى داخل الحكومة”، وحين نتمعن في الوزراء الجدد، أو السابقين، لا نجد معنى، لهذا التصريح، أو على الأقل، لا نعلم ما هي مقاييس التشبيب، بالنسبة لرئيس الحكومة.
جدير بالذكر، أن الملك محمد السادس، كان أعلن في خطاب بمناسبة الذكرى العشرين لجلوسه على العرش في غشت عن هذا التعديل، بهدف “تجديد مناصب المسؤولية”. وتعهد بتدشين مرحلة جديدة “قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل. مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة”. كما أعلن عن إحداث لجنة سيعهد إليها صياغة نموذج تنموي جديد.
وأبرز العثماني عقب تنصيب الملك محمد السادس، الحكومة الجديدة، أن نجاعة هيكلة الحكومة الحالية تتجسد، أيضا، في تجميع بعض القطاعات الوزارية، وكذلك في الدور الذي ستقوم به رئاسة الحكومة في التنسيق بينها وإعطاء بعد للالتقائية والانسجام بين مختلف السياسات العمومية.
بعيدا عن كل هذه التفاصيل، نحن أمام حكومة رئيسها، محكوم بالتنازلات التي كان أقدم عليها خلفه، عبد الإله بن كيران، والذي كان سخيا إلى أبعد الحدود وهو يتنازل عن صلاحياته، لصالح الملك، وباعتبارات أقل ما يقال عنها، أنها كانت هدما، لكل الصلاحيات التي جاء بها دستور 2011، لصالح رئيس الحكومة، والتي استتبعتها تباعا، إدخال تعيينات لوزراء بلا انتماء حزبي، أو وزراء جرى صبغهم بألوان حزبية، وكل ذلك في إطار توسيع صلاحيات الملكية، والعودة لملكية تنفيذية، وتنفيذية قوية، وزاد عنها تنظيرا وممارسة سعدالدين العثماني.
يأتي التعديل الحكومي، في ظل أزمة على كافة المستويات، على صعيد الحريات، سواء الحريات العامة، أو الفردية، تراجع مخيف، ونكوص حقيقي، وكأنه يعيد عقارب الساعة، لمغرب شبيه إلى حد كبير بسنوات الجمر والرصاص، مئات المعتقلين على خلفية احتجاجات اجتماعية، بنفحة مطالب حد أدنى معيشي يراعي الكرامة والعدالة، والبحث عن مسوغات لقمع الصحافة وحرية التعبير وحرية الإعلام، وترهيب المعارضين.
يأتي التعديل الحكومي، في ظل أزمة اجتماعية خانقة، وفي ظل مسار كانت الحكومة الحالية سواء بصيغتها القديمة، أو الحالية، صانعته، حكومة كانت رائدة في التاريخ السياسي الحديث، في ضرب المكاسب الاجتماعية، وفي تقويض ما تبقى للدولة من أدوار في دعم الخدمات العمومية، وتسهيل الولوج إليها، وكل المؤشرات تؤكد، أنها ستمضي في نفسه المسار، بل وبوثيرة أسرع.
يأتي التعديل الحكومي، في ظل تنامي مطالب المجتمع، وفي ظل نزوع تعبيري واضح ومعبر، حتى وهو يفتقد تعبيره السياسي والنقابي وحتى نخب مجتمعه المدني، مطالب واحتجاجات تبدع وتصنع وقائع وتحدث مسافة دالة، بين المشهد السياسي، والحقل السياسي الجامح والمنطلق.
في ظل كل العناوين، الشاهدة على مرارة ونكوص وتعتر الانتقال نحو الديمقراطية والحداثة، لن يشكل التعديل الحكومي، أية إضافة، أو أية رتوشات تجميلية لمشهد سياسي، قاصر ومفوت وغير قادر على التعبير عن حيوية الحقل السياسي والاجتماعي المغربي.