أيًا يكن الفائز بالبطولة.. بوتين هو الرابح الحقيقي من كأس العالم 2018
في كأس العالم روسيا 2018 كما في كل مونديال سابق أو لاحق تتأرجح قلوب وعقول المشجعين والمحللين بين الحماس والحيرة، كلٌّ يشجع من يحب، ويحتار في تخمين الفريق الذي سينجح في الظفر باللقب هذه المرة، لكن بعيدًا عن كل ذلك الصخب، فإن هناك فائزًا وحيدًا محتملًا في تلك البطولة، أيا كان المنتخب الذي سيتمكن من حصد الكأس، هذا الفائز هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورفاقه.
حملة علاقات عامة
يتذكر الكثيرون دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي استضافتها مدينة سوتشي الروسية عام 2014، ليس فقط بسبب ما أثارته بعدها «فضيحة المنشطات» – التي كشفت حصول العديد من اللاعبين الروس على منشطات بشكل ممنهج؛ مما أشار إلى برنامج مدعوم حكوميًا؛ وهو ما أدى إلى حرمان اللاعبين الروس من المشاركة في دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في بيونغ تشانغ – وأثار الشكوك حول وجود خطط روسية لتعظيم حضورها في مجال الرياضة، ولو بطرق «غير مشروعة».
لم تكد تمضِ أيام قليلة على نهاية دورة سوتشي، وفيما كان زخمها لا يزال حاضرًا، حتى دشنت الحكومة الروسية حملتها لضم شبه جزيرة القرم؛ الأمر الذي أثار ردود فعل دولية غاضبة وإدانات واسعة، تكثفت بعدما أشارت أصابع الاتهام نحو روسيا في واقعة إسقاط طائرة الركاب الماليزية شرق أوكرانيا، وقد عمق التورط الروسي واسع المدى في الحرب السورية، واتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 من العزلة الروسية.
وكما كانت المحافل الرياضية هي المناسبة التي دشنت الأحداث التي ضيقت الخناق على الروس، ورسمت لموسكو صورة مشوهة على صعيد الرأي العام العالمي، يبدو أن محفلًا رياضيًا كذلك – مونديال 2018 – سيكون هو بداية نهاية تلك الحقبة، فالمونديال ما هو إلا مهرجان عالمي، سيحضر فيه 2.5 شخص من روسيا وخارجها المباريات.
سافر مئات الآلاف إلى روسيا، حيث شاهدوا «وجهًا جميلًا» غير الذي يرونه على شاشات المحطات الإخبارية، الجموع المحتشدة تصيح في حماس، والملاعب ملأى بالمشاهدين، ورجال الشرطة الروس يبتسمون في وجه الغرباء، لا حديث هنا عن السجون المريعة، ولا عن القبضة الحديدية، ولا عن ديكتاتورية بوتين، لا حديث سوى عن البطولة المنظمة التي لم تشهد إلى الآن ما يعكر صفوها، أو يهدد أمن مرتاديها.
في روسيا 2018 سيكون باستطاعة بوتين – الذي حاولت القوى الغربية حصاره – أن يستعرض مهاراته في كرة القدم، وأن يظهر بجوار أساطير الكرة من الجوهرة السوداء بيليه، والأرجنتيني مارادونا، وحتى الظاهرة رونالدو، وأسطورة حراسة المرمى كاسياس، وسيظهر رئيس «الاتحاد القومي لكرة القدم (فيفا)» ملازمًا للـ«قيصر» في أكثر من مناسبة، سيلعب المونديال دور حملة علاقات عامة ناجحة وفعالة، وفي الوقت المناسب تمامًا بالنسبة لبوتين.
«دبلوماسية الساحرة المستديرة»
نحن نقدر كثيرًا كرم السيد بوتين وفضله، ونطمح إلى أن نتعلم من الطريقة التي نظمت بها روسيا بطولة كأس العالم بمثل هذا النجاح
بهذه الكلمات عبر مستشارالرئيس الأمريكي للأمن القومي جون بولتون عن إعجابه بتعامل روسيا مع المحفل الرياضي الأهم عالميًا، وجاءت تلك التصريحات على هامش اجتماعه مع الرئيس الروسي في الكرملين، حيث جرى الاتفاق والتحضير لاجتماع بين الرئيسين الروسي والأمريكي منتصف يوليو (تموز) الجاري، أي بعد يوم واحد من المباراة النهائية لكأس العالم، تنازلت واشنطن إذًا عن كبريائها وشروطها المسبقة، وقبلت بجلوس رئيسها مع بوتين الذي لم يقدم أيًا من التنازلات التي كانت واشنطن وأوروبا تصران عليها.
على هامش مباريات كأس العالم كان ثمة مباريات سياسية أخرى يخوضها بوتين مع العديد من زعماء العالم؛ فللمرة الأولى منذ عام 1999، زار رئيس كوريا الجنوبية العاصمة الروسية، حيث أجرى مباحثات مع الرئيس الروسي الذي أكد له التزامه بالبحث عن حل سلمي للأزمة مع كوريا الشمالية.
كما أجرى بوتين على هامش المباريات لقاءات مع بعض رؤساء البلدان المشاركة في المونديال، مثل بنما والسنغال، فضلًا عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن أنه سيذهب إلى روسيا إذا نجح منتخب بلاده في التأهل إلى الدور قبل النهائي.
سيكون هناك العديد من رؤساء الدول والحكومات الذين سيحضرون لمشاهدة المباريات المختلفة، المونديال لن يكون احتفالًا ضخمًا وعالميًا فيما يتعلق بالرياضة فحسب، بل سيضمن هذا المحفل الرياضي تدفقًا مستمرًا للضيوف على أعلى مستوى *المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف يصف للصحافيين النشاط الدبلوماسي الذي ستجريه بلاده على هامش المونديال
قضايا الشرق الأوسط حاضرة هنا في الأجندة الروسية كذلك، إذ حل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضيفًا على بوتين خلال المباراة الافتتاحية التي جمعت بين المنتخبين الروسي والسعودي، والتي فاز فيها الروس بخمسة أهداف مقابل لا شيء، ونقلت الكاميرات بين الحين والآخر تعبيرات وجه بن سلمان المتعجبة مع كل كرة تسكن في شباك فريقه، فيما لا تفارق وجه بوتين ابتسامته الحذرة، وفي المنتصف يقبع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في رمزية غير مقصودة ربما تدل على إطباق السياسة فكيها على الرياضة في ذلك المونديال.
وفيما تسابق إدارة ترامب الزمن لوضع حل نهائي للقضية الفلسطينية فيما يُعرف باسم «صفقة القرن»، يبدو أن الرئيس الروسي سيدخل على الخط من بوابة المونديال كذلك؛ إذ وجه بوتين دعوة لحضور المباراة النهائية لكأس العالم لعدد من القادة والزعماء، من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد قبل الأول الدعوة، فيما لا تزال مشاركة نتنياهو غير مؤكدة حتى الآن.
أحد أكثر المواقف وضوحًا فيما يتعلق بالاستغلال السياسي للمونديال الحالي، كان ما فعله رئيس جمهورية الشيشان، وهي إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، رمضان قديروف، مع نجم المنتخب المصري ونادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح. أثارت إقامة بعثة المنتخب المصري في فندق بالعاصمة الشيشانية غروزني، بالرغم من بعد المدينة عن الملاعب التي ستقام عليها مباريات المنتخب، الشكوك التي تعززت بعدما ظهرت محاولات الرئيس الشيشاني رمضان قديروف المقرب للغاية من بوتين توظيف استضافته للمنتخب المصري – خاصة بطله محمد صلاح المعروف عالميًا – على المستوى السياسي، فقبل المباراة الأولى للفريق في مواجهة الأوروجواي، وبالرغم من أن صلاح كان يلازم الفندق للإصابة، ولم يحضر المران، إلا أن قديروف قد زاره في مقر إقامته بالفندق، واصطحبه لتحية الجماهير التي كانت تحضر مران الفراعنة في الملعب.
وبالرغم من بعض الانتقادات التي وجهتها الصحافة الغربية إلى صلاح، باعتباره قد قبل أن يستخدم كوسيلة دعائية لتبييض وجه قديروف – بما له من سمعة سيئة في المحافل الدولية، بسبب انتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان، وولائه التام للرئيس الروسي فلاديمير بوتين – إلا أن نيران الصحافة الأجنبية قد تكثفت ضد صلاح بعدما أعاد قديروف الكرة حين أقام حفل عشاء للمنتخب المصري، منح خلاله محمد صلاح المواطنة الشرفية لدولة الشيشان.
يبدو أن هذا الاستغلال السياسي للنجم المصري كان من «الحدة» بمكان إلى حد أن اللاعب المصري لم يتحمل الضغوطات الإعلامية، ولم يتقبل أن يتم توظيفه بهذه الصورة في أغراض خارج كرة القدم، لذلك فقد أوردت عدة وكالات أنباء أجنبية أن صلاح يفكر في اعتزال اللعب الدولي مع المنتخب المصري بسبب استغلاله سياسيًا من قبل السلطات الشيشانية؛ الأمر الذي جعله يشعر بالحرج والضيق؛ لكونه لا يود الانخراط في أنشطة أخرى خارج كرة القدم.
عن ساسة بوست