

عبد الإلاه المهمة: الأستاذ بنشقرون مرحبا بكم من جديد معنا في هذا الحوار في موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يشغل اهتمامكم كثيرا في أبحاثكم و كتاباتكم
عبد العالي بنشقرون: أهلا و سهلا و شكرا على الاستضافة

عبد الإلاه المهمة : أولا هناك سؤال أولي لتوضيح الموضوع لمن لم يألفه، فلنعرف بادئ ذي بدء الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لأن الكثير من الأطراف و الجهات و المؤسسات يتحدثون عن هذا المفهوم بما فيهم الدول كل حسب فهمه؟ فما نقصد بذلك؟
عبد العالي بنشقرون : إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إ إ ت أو ESS تجمع المبادرات الاقتصادية التي ليست لا بالقطاع العام، ولا بالقطاع الخاضع لمنطق السوق الصرف. فالاقتصاد الاجتماعي والتضامني يجسد منهاجا للتمويل والانتاج والتشغيل والاستهلاك والتقرير بطريقة مختلفة، يعتمد احترام مجهود النساء والرجال المنخرطين ضمن هذا القطاع وفي نفس الوقت الحفاظ على البيئة وصيانة المجالات الترابية.
إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يتميز وينطلق أولا من المنفعة الاجتماعية، والحكامة الجيدة، والديمقراطية، والاندماج المجالي لدينامية التنمية وأيضا ينطلق من تعبئة الساكنة المعنية.
وإن الأزمة الدولية لليبرالية المتوحشة تسدي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني فرصة للتطور والتوسع والتأثير داخل المجتمع و والتأثير على سلوكات الفاعلين في اتجاه مزيد من الديمقراطية والحكامة المتخلقة والحفاظ على البيئة، كل ذلك من خلال التعاون والتحالف مع المنتخبين ذوي الاستعداد، وقوى نقابية وجمعيات أو مقاولات مواطنة، هكذا فإن هذا القطاع الاقتصادي يسمح بإنعاش وتطوير انطلاقة تضامنية والتأثير الايجابي على ميكانيزمات الضبط الاجتماعي régulation sociale والاصلاحات العمومية وتحفيز الفاعلين الاجتماعيين على تغييز وتكييف سلوكاتهم تحو التضامنية والتكافؤ.
إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو اقتصاد المقاولة الاجتماعية في عدد من القطاعات، وهو يهدف إلى خلق الشغل وإدراج العاطلين في أنشطة اقتصادية في ظرفية الأزمة هذه . إنه أيضا التمويل التضامني أو التكافلي، والتجارة المتكافئة، والأنشطة التي تجعل الإنسان والبيئة في قلب المشاريع … إذ أن محرك الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو أولا المنفعة الاجتماعية.
سؤال : إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يوصف أيضا بأنه القطاع الثالث؟

بنشقرون: بصفته ينطلق أساسا من المنفعة الاجتماعية والبيئية والثقافية فإن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يعتبر قطاعا ثالثا، قد انبثق في ثمانينيات القرن الماضي من كون ثنائية القطاع السوقي/ القطاع العمومي تعيش أزمة بعدما كانت هذه الثنائية تبدو متحكمة في المنظومة الاقتصادية لما بعد الحرب العالمية الثانية .
هكذا ولج عدد من الساكنة الناشطين عالم البطالة، ولم يستطع لا القطاع العام ولا الخاص توظيف عملهم ومهاراتهم، فأصبحت قطاعات كاملة من المجتمع مهمشة، بمفعول هذه الوضعية وبحكم فوائض الإنتاج والتضخم المرافق للانكماش الاقتصادي. إن النموذج الاستهلاكي أصبح يظهر علامات الركود والخلل وأضحى يجر معه المجتمع وقيم المجتمع الجميلة والحميدة نحو الإفلاس.
إن القطاع الاجتماعي والتضامني كقطاع ثالث ينطلق من الإقرار بعجز القطاعات الأخرى عن مواجهة التحديات الاجتماعية الناتجة عن الأزمة، فهو إذن يعمل على إعادة الإنسان في مركز المجتمع والاقتصاد بصفته عنصرا مركزيا للحياة الاجتماعية العامة، وذلك من أجل وضع إشكالية تغيير نمط الإنتاج والاستهلاك، والخروج من المنظور الاستهلاكوي والانفلات التدريجي للتوجه نحو وضعية إسعاد المواطن وتلبية حاجاته الحقيقية لا الاصطناعية .
عبد الإلاه المهمة: هل يكفي ذلك لتبرير مطامح هذا القطاع في سياسة ضريبية متساهلة وخاصة به؟
عبد العالي بنشقرون: الجوهر الأساسي هو أن تطور هذا القطاع يسدي منفعة ويحل مشاكل جماعية للمجتمع. إنه يساهم في استقرار الأوطان بصفته يشكل قوة اقتصادية واجتماعية تعمل على امتصاص عناصر الأزمة على نحو ما. إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يخلق فرص شغل، وأنشطة مذرة للدخل وإنعاش التضامن من خلال المؤسسات المقاولاتية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني. لكل ذلك فإنه من الزاوية المجتمعية يعتبر مشروعا أن يستفيد هذا القطاع من إعفاءات ضريبية بل أن يستفيد من دعم الدولة الدائم وهذا واجب على الدولة.
عبد الإلاه المهمة: دعنا نستمع لما هي فلسفة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وما هو منظوره؟
عبد العالي بنشقرون: إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يتموقع مقابل الاقتصاد النيوليبرالي الذي ينتج الإقصاء بالنسبة لعدد من الفئات الاجتماعية والمجموعات البشرية، علما أن النيوليبرالية تدعي أنها النظام الوحيد القادر على خلق الثروة. أما الاقتصاد الاجتماعي والتضامني فإنه يعمل على إقامة اقتصاد متعدد يزاوج بين منطق الإنتاج ومنطق التوزيع في نطاق سوق تعرف ضبطا Régulation بشكل متكافئ وديمقراطي بتدخل عقلاني للدولة التي تساهم في العملية الإجمالية وفي سلوكات الفاعلين وتكافئهم وفي نوع من التضامن الاجتماعي.
إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعمل إذن على إيجاد الحلول اجتماعيا وبصفة إجمالية مجتمعية للأوضاع الاقتصادية والبيئية الفردية والجماعية مثل ما هو الشأن لإدماج المرأة والشباب وتنويع الاقتصاد وتنمية الفلاحة المحلية والشغل والتنمية المجالية ومشاكل البيئة .
عبد الإلاه المهمة: هل يمكن القول أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يتدخل في قطاعات اقتصادية دون أخرى؟ وهل هناك تفضيلية في تدخله في المجال الاقتصادي والقطاعي؟
عبد العالي بنشقرون: من هذه الزاوية فإن جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية سوف يتم المساهمة فيها بتعاون وحكامة جيدة. إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لحد الآن ليس جد متطور، لذلك فإن بعض الأنشطة أو بعض القطاعات بدأت تعمل حسب معايير ومنظور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وهي تلعب نوعا ما دور القطاعات الجادبة منها الفلاحة، والصيد، والتعليم، والتكوين، والإدماج الاجتماعي والمهني، والسكن، والصناعة التقليدية، والادخار والقروض …الخ
عبد الإلاه المهمة: هل من دوافع أو تحفيز معنوي أو مبدئي لديكم من أجل اهتمامكم كاقتصادي بهذا الصنف من الفكر الاقتصادي؟
عبد العالي بنشقرون: إن المسار النضالي للفرد يؤدي بسهولة للاهتمام والانخراط في هذا المنظور الاقتصادي الذي يعطي التفضيلية للمنهج الاجتماعي والتضامني، إن العمل الجاد من أجل الديمقراطية في بلدنا يسير بشكل جيد وموازي مع الحكامة الجيدة، وتخليق العملية الإنتاجية والتوزيع، وهذا لا يتأتى إلا برسم الحدود اتجاه المنظومة النيوليبرالية، إن الدوافع والتحفيزات المعنوية المبدئية حقيقة ذات أهمية كبيرة للفعل الجيد من أجل بناء مجتمع عادل متوازن دون إقصاء وحيث كل فرد يتوفر على مكان محترم له شخصيا في احترام وكرامة.
عبد الإلاه المهمة: لكنني أتصور أن هذا القطاع الثالث يلزم أن يحضى بقوانين خاصة من أجل أن يشتغل جيدا ويتطور؟
عبد العالي بنشقرون: بالضبط، يلزم وضع قانون للاقتصاد الاجتماعي والتضامني قمين بأن يشجع ويقوي شبكة مؤسسات وهياكل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، قانون من شأنه أن يساعد على التدبير الحكيم، وأيضا أدوات وميكانيزمات التمويل، هذا القانون سوف يقنن وينظم مكانة المأجورين في المقاولات ويعطيهم إمكانية الفعل داخل المقاولات عموما … وهذا مهم وسنرجع إليه لما نتحدث عن المقاولة المواطنة وعن المسؤولية الاجتماعية للمقاولات … هذا القانون سيحدث رجة تعاونية عن طريق دعم كفاءات التعاونيات وإنعاش السلوك التعاوني. لكن أيضا فإن هذا القانون الذي إذا تم إرساؤه سيسمح بتدعيم الاستراتيجيات وسياسة التنمية المحلية، وسيمكن كذلك من تغيير حجم القطاع بحيث يمر إلى مقاس سلم مختلف وأكبر بكثير وسيمكن القطاع الثالث من الظهور بشكل جلي في المجتمع ويتم التقدم في الاعتراف به وبوضعه الخاص اجتماعيا.
في هذا السياق فإن فرنسا مثلا أرست قانون الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني سنة 2014، إذن فهذا الأمر حديث العهد، وبالصدف فإن من أنتج الأرضية التي أسست لهذا القانون هو أحد المناضلين اليساريين المعروفين ضمن رواد الفكر الاقتصادي البديل وهو آلان ليبيتز Alain Lipietz … وهذا القانون الفرنسي فهو يقنن قواعد اشتغال الاقتصادي الاجتماعي والتضامني وهياكله وأداوته ويمكنه أيضا بالتالي من اكتساب مواقع ووزن تدريجي في المجتمع.