عبد الإلاه المهمة: الأستاذ بنشقرون مرحبا بكم من جديد معنا في هذا الحوار في موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في جزئه الثالث والأخير، و الذي يشغل اهتمامكم كثيرا في أبحاثكم و كتاباتكم
عبد العالي بنشقرون: أهلا و سهلا و شكرا على الاستضافة
———————————————————————————-
عبد الإلاه المهمة:
إن القطاع الغير مهيكل متطور في المغرب فما موقعه بالنسبة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟
عبد العالي بنشقرون:
إن القطاع الغير مهيكل يحيلنا على سلوكات وأنشطة ذات منطق كل مرة مختلف: منطق الكفاف، المنطق العائلي الأسري، منطق التضامن ولكن أيضا منطق الربح وربما التراكم أيضا …إذن في هذا القطاع يمكن أن نعثر على بعض خصوصيات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لأنه يتيح مناصب شغل غالبا بإنتاج منتجات وخدمات ذات طبيعة اجتماعية يتميز أيضا بمدارات قصيرة Circuits courts لكن غالبا فإن الجودة هزيلة أو غير مضمونة. إذن في القطاع غير المهيكل يكون غالبا الولوج سهل، و) أحيانا يمكن أن نجد الولوج في فضاء ضيق أصعب منه في القطاع العادي المهيكل( وينبني على تعبئة موارد محلية و وسائل عائلية ، وطبعا يكون حجم المشروع بسيط أو بسيط للغاية وصاحب هذا المشروع لا يتوفر إلا على تكوين ابتدائي — أو لا شيء– إلى أي حد إذن هذا القطاع الغير مهيكل يمكن أن يتم توجيهه وتأطيره حسب منطق الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وبأية تغييرات؟ الجواب على هذا السؤال يمكن أن يمر بنوع من إعادة الهيكلة المرنة. لأن القطاع الغير مهيكل أو الغير منظم كما يدل عليه هذا الوصف هو غالبا موضوع سلوكات الصراع من البقاء والتكيف يبدعها هؤلاء الناس في أوضاع صعبة وفي ظل التقلبات التي تؤثر في المجتمعات في زمن أزمة المنظومة النيوليبرالية..
عبد الإلاه المهمة:
إذن يمكن أن نستمع لبعض الأمثلة بصدد المبادرات الاقتصادية التي تتماشى مع مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟
عبد العالي بنشقرون:
لما تبادر مؤسسة مقاولة للإدماج الاجتماعي الاقتصادي فتنشئ مطعما في حي مهجور، إنها تنتج غذاء لزبناء ذوي دخل محدود أو محدود جدا يؤدون عنه ثمنا جد بسيط ، وفي نفس الوقت فإن هذه المؤسسة تعرض مناصب شغل وتكوينا مهنيا للبعض منهم في حالة بطالة أو في الراغبين في التداريب المنهية. هكذا فإنها تعيد ضخ الحياة والمضيافية في هذا المكان العمومي المهجور في فضاء لم يعد يصلح لشئ وكان ممكنا أن يتحول إلى مزبلة الحي.
إذن فهذه المقاولة – المؤسسة المواطنة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني تعرض الطعام البخس الثمن للعائلات ذات الدخل المحدود. فهل لا تستحق هذه المبادرة تمويلا اجتماعيا وتسهيلات ضريبية، وإلا لا شيء مما أنجزته في هذا الحي كان يمكن تصور تحققه : لا الغداء بثمن رمزي، ولا تكوين ولا أي شيء …
عبد الإلاه المهمة:
إن تغيير مقاس هذا القطاع الثالث هو في النهاية شيء مهم وضروري، سواء بالنسبة لإنعاش مشاتل مشاريع التعاونيات الإنتاجية والخدماتية، أو على مستوى المرافقة في جانب التكوين والتدبير والمحاسبة الخ.
عبد العالي بنشقرون:
فعلا يمكننا تطوير سياسة إرادية لتعميم التعليم ومحاربة الأمية وتوسيع ونشر تكوينات مهنية إن مرافقة المشاريع المدرة للدخل وتأطير التعاونيات مشروط بالانخراط الواسع في حلقة دينامية التكوينات الملائمة والموجهة نحو مهن محددة بعناية … إن السياسة الإرادية يجب أن تأخذ شكل تدخل كثيف ومنهجي في المناطق القروية الفقيرة على الخصوص وفي محيطات المدن Le périurbain وذلك حسب خريطة احتياجات دقيقة قد تختلف عما وجد للبرامج الحالية . إذ أنه حسب هذه البرامج، سرعان ما تعلن حذف جماعة ما أو منطقة ما من اللائحة الحساسة لمناطق الفقر بمجرد إنجاز الكهربة أو حفر بئر للتزويد بالماء. فهذه الأشياء، على أهميتها، ليست الوحيدة التي يمكن أن تصنف جماعة أو مجموعة قرى في قبيلة ما بأنها خرجت من دائرة الفقر … إذ في الواقع المعاش، نجد أن الأسرة القروية تنظم وتمارس تربية الماشية في نفس الفضاء الذي تعيش فيه العائلة بأطفالها و حواملها وشيوخها وما لذلك من مخاطر على صحة هؤلاء … إننا لا نجد في هذه البيوت دورة المياه بالمفهوم الأدنى المقبول … وإن الهذر المدرسي في هذه الدواوير يمثل 30 أو 40% من الأطفال … ونسبة الفتيات المتمدرسات ضئيلة … والفضاء المجالي للقرية والجماعة والقبيلة لم يعرف قط تهيئة، و لا يتوفر على طرقات مقبولة ولا وحدات تجارية أو حوانيت قرب تستحق تسمية حوانيت في هذه المجموعة القروية.
في هذه البيئة إذن وفي هذا الفضاء البدائي الغير مهيأ وبدون خدمات اجتماعية وفردية وتجارية دنيا، في هذه الفضاءات يوجد إذن مكان و مجال لعشرات بل مئات مشاريع صغيرة وبسيطة للبنى التحتية والمنتجات والخدمات والمشاريع المدرة للدخل والتعاونيات، مع إمكانية العمل على تعبئة الساكنة لتحقيق هذه المشاريع من خلال التحسيس الملائم والتكوين الهادف شرط توفر الوازع الوطني التنموي والإرادة السياسية لوضع هذه الاستراتيجيات وتصريفها على أرض الواقع بحكامة ونزاهة وعقلانية و تشاركية فعلية خارج الخطاب الاستهلاكي أو الموسمي