ركود كبير: “كورونا” يقود الاقتصاد العالمي إلى أزمة غير مسبوقة
في الحادي عشر من مارس الجاري أعلنت منظمة الصحة العالمية الفيروس التاجي “كورونا” المستجد وباءً عالمياً، وكان عدد الإصابات المؤكدة به عالمياً حينذاك نحو 126 ألف حالة، كما أن عدد المتوفين بسببه كان يدور حول 4,600 شخص، لكن وبحلول يوم الإثنين 30 مارس، أى بعد مرور ما يزيد عن أسبوعين من إعلان الفيروس وباءً عالمياً.
تجاوزت حالات الإصابة المؤكدة به 700 ألف حالة، ووصل عدد المتوفين بسببه إلى أكثر من 34 ألف حالة. وفرض ذلك على الاقتصاد العالمي حالة من الشلل شبه التام في غالبية قطاعاته، في ظل إجراءات الإغلاق التي نفذتها الحكومات، فلم يعد يعمل بالشكل المعتاد سوى قطاعات محدودة، وتوقفت قطاعات عديدة بشكل تام. وهذا الحال إذا استمر كثيراً سيدفع الاقتصاد العالمي إلى مستقبل مجهول.
انتشار سريع:
ظهر فيروس “كورونا” للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية، وكان ذلك في أوائل شهر يناير الماضي، لكنه وصل حتى الآن إلى أكثر من 140 دولة ومنطقة، موزعة على كل قارات العالم باستثناء القارة القطبية الجنوبية، التي تعد مكاناً غير مأهول بالسكان.
وفي حين تباطأ ظهور إصابات جديدة في الصين، كما انحسرت أعداد الوفيات الجديدة أيضاً بشكل كبير هناك، فشلت حتى الآن جهود الاحتواء في إبطاء معدلات الزيادة سواءً في الإصابات أو الوفيات.
وبينما كانت الصين هى من شهدت أول إصابة بالمرض، ثم صدرته إلى العالم، توقفت فيها الأعداد عند 81 ألف مصاب، ونحو 3,300 حالة وفاة، في حين تجاوزتها الولايات المتحدة في عدد المصابين، بأكثر من 123 ألف مصاب، وتفوقت عليها إيطاليا وإسبانيا في عدد الوفيات، بأكثر من 10 آلاف ضحية و6 آلاف ضحية على الترتيب، وذلك حتى صباح الأحد 29 مارس.
وعالمياً، تظهر بيانات الإصابات تزايداً ملحوظاً خلال الأيام الماضية، فبعد أن احتاج العالم 12 يوماً لكى يسجل أول 100 ألف إصابة بالفيروس، فإن عدد الإصابات اليومية الجديدة بات يتخطى الـ 100 ألف هذه الأيام.
هلع متواصل:
سبّب الانتشار العالمي السريع لفيروس “كورونا” حالة هلع سادت الاقتصاد العالمي، فأدى ذلك إلى تهاوي أسواق المال إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، حيث اتجه المستثمرون إلى بيع وتسييل أصولهم المالية، مفضلين خيارين اثنين لا ثالث لهما، وهما إما الاحتفاظ بأموالهم في صورتها النقدية السائلة، وإما شراء الذهب كملاذ آمن يحتاطون به.
كما تراجعت أسعار النفط العالمية إلى مستويات لم تشهدها منذ حرب الخليج الثانية في عام 1991، حيث انخفضت الأسعار إلى مستويات ما دون 25 دولار للبرميل، وهناك توقعات تشير إلى إمكانية تراجعها إلى ما دون ذلك بكثير. وإذا لم تكن تبعات “كورونا” فقط هى من دفعت الأسعار إلى هذا المنحى، باعتبار أن حرب الأسعار بين المنتجين لها دور أساسي في ذلك، لكن حرب الأسعار ذاتها كانت إحدى نتائج الهلع الاقتصادي الذي أصاب بعض الحكومات، بسبب “كورونا”، لاسيما وأن هناك توقعات تشير إلى أن توقف الأنشطة الاقتصادية بسبب الفيروس يقود الطلب على النفط إلى تراجعات قد تصل إلى 20%، بفقدانه نحو 20 مليون برميل يومياً، وذلك وفق وكالة الطاقة الدولية.
تقييد حركة البشر:
اتجهت الحكومات إلى تقييد حركة البشر، سواءً على المستوى الداخلي بكل دولة، أو على المستوى الدولي، وذلك من أجل محاصرة الفيروس في مناطق انتشاره حتى الآن، ومنعه من الانتقال والتوسع، وإصابة المزيد من الرقع الجغرافية العالمية.
وبعد أن أصبحت أوروبا هى المركز الجديد للوباء، فقد فرضت دول الاتحاد الأوروبي قيوداً على السفر، حيث يفرض –الآن- ما لا يقل عن 10 من أعضاء الكتلة، بالإضافة إلى سويسرا والنرويج، ضوابط الحدود الوطنية، ما يعطل ليس فقط حركة الأشخاص ولكن أيضًا التجارة. وتعد هذه سابقة أولى في تاريخ الاتحاد، قد تضعه في مرحلة جديدة في مسيرة تطوره، هى مرحلة تالية زمنياً لبريكست، وذات أثر سلبي أكثر منها على مستقبل الاتحاد.
وعلى المستوى العالمي، وطبقاً لبيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي، فقد وضعت أكثر من 50 حكومة حظراً شاملاً على المسافرين الوافدين إليها، وحظرت أكثر من 80 حكومة أخرى السفر إليها من دول محددة، يُنظر إليها على أنها نقاط ساخنة لانتشار الفيروس.
وتشير بيانات موقع Flightradar24 إلى أن حركة الطيران العالمية تراجعت بأكثر من 50% خلال الشهر الماضي، وأن معظم رحلات طيران الركاب تم إيقافها، ولم يعد يطير في السماء الآن سوى طائرات الشحن، وعدد محدود من طائرات الركاب التي تسيرها بعض الدول لإجلاء رعاياها من الدول الأخرى.
وقد أثرت القيود العالمية والمخاوف من الفيروسات على صناعة الطيران بشكل خاص، حيث قامت بعض شركات الطيران بتعليق العديد من الرحلات وتم تسريح آلاف الموظفين أو منحهم إجازات غير مدفوعة الأجر. وقد يكون أداء قطاع الطيران هذا مؤشر على أداء الاقتصاد العالمي ككل، على اعتبار أنه القطاع الأكثر تأثراً بإجراءات الحد من حركة البشر بسبب “كورونا”.
ماذا بعد؟:
ربما يكون الأسوأ قد انتهى بالنسبة للصين، بل إن مدينة ووهان، أول النقاط المنكوبة بالفيروس، بدأت، منذ 25 مارس الماضي، في استعادة النشاط تدريجياً، فعادت فيها بعض مظاهر الحياة وحركة البشر ووسائل المواصلات الجماعية بشكل جزئي. لكن بقية دول العالم يبدو أنها تحاول الاستعداد للأسوأ في معدلات انتشار الفيروس. كما أن أرقام الوفيات بدورها تثير الذعر، فإذا كانت نسبة الوفيات بين المصابين في الصين تبلغ نحو 2%، بل إن بعض الباحثين يرون أن معدل الوفيات الحقيقي في الصين أقرب إلى 1%، إلا أن العلماء يقولون أن “كورونا” المستجد قد يكون مميتاً أكثر من “الأنفلونزا الموسمية”، وهو وإن كان أقل فتكاً بكثير من “السارس” أو “متلازمة الشرق الأوسط التنفسية” أو “الإيبولا”، فلا يزال يبدو أن هناك الكثير غير معروف عنه، ففي بعض الدول، كإيطاليا وإسبانيا وإيران، تصل نسب الوفيات بسبب الفيروس إلى مستويات كبيرة، هى 10.8% و8.2% و7.1% على الترتيب.
هذه المؤشرات قد تعني أن العالم ينتظر المزيد من الانتشار لفيروس “كورونا”، وأن الاقتصاد العالمي ينتظره الكثير من المشكلات الناتجة عن ذلك، وأن الإغلاق للأنشطة الاقتصادية العالمية لم يصل مداه بعد، على نحو يقود الاقتصاد العالمي إلى مستقبل غير معلوم، وربما يكون ذلك هو ما دفع صندوق النقد الدولي، منذ يومين، إلى القول بأن “الاقتصاد العالمي دخل بالفعل مرحلة ركود بسبب كورونا”.
المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة