مندوبية التامك و”آية التفتيش”: “طاحت كورونا فتْشُو المحامي”
فاجأت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج المحامين والمحاميات بكل أرجاء المملكة، في الصفحة 51 من خطة عملها التي طرحتها قصد التصدي لتفشي وباء كرونا بقرارها الرامي إلى وجوب تفتيش المحامين وهم بصدد ولوج المؤسسات السجنية للتخابر مع موكليهم، ما جاء في الصفحة المذكورة اعتبر صفعة، حتى أن جل المحامين لم يصدقوا أن تتفتق عبقرية التامك وهو يتصدى لفيروس كورونا لتفتيش المحامين، و علق بعضهم ساخرا “طاحت كورونا فتشو المحامي”.
انضافت إهانة التامك الجديدة للمحامين لنظيراتها القديمة، التي كادت جروحها تندمل، حين بات موظفو السجون يجردون المحامين من هواتفهم بمداخل السجون، حيث” الهاتف مقابل الزيارة”، وحين أصبح بعض الموظفين يوجبون على المحامين الإدلاء ببطائق تعريفهم الوطنية، رغم رخصة الزيارة التي يحملونها من الجهات المختصة، وحين…وحين… وقائمة الإنتقاص طويلة.
ذكر محام أنه لا يعرف لماذا بات يساوره شك يقترب من اليقين، أن عددا من المسئولين بعدد من المؤسسات ذات الصلة بالعدالة لم يعودوا على ما يبدو يرغبون في المحامي أن يكون شريكا في مسلسل الإنصاف، وزاد المتحدث أنهم لا يتركون فرصة تمر إلا ووجهوا للمحامي والمحاماة ضربات تحت الحزام، واستدل بالقول إن وزارة العدل التقت مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية واتفقا معا على ما “محاكمتهم عن بعد”، بإقصاء مكشوف لهيآت المحامين وعدم استشارتها ولو من باب”شاورها وماديرش برأيها”، علما أن المحامي فرض عين في المحاكمة العادلة.
يتساءل المحامون لاسيما الشباب منهم عن علاقة حماية السجون من تفشي الوباء، بإلزام تفتيشهم، فهل يتوهم التامك أن المحامي قد يخفي الفيروس بين ملابسه أو في محفظته؟، وهل بتفتيش المحامي يطرد التامك كورونا من السجون؟، أم أن زمن الجائحة هو مجرد محطة لتوجيه كمية إضافية من إذلال المحامين لإكراههم عن الإحجام عن زيارة السجون، في إطار خطة محكمة ومخطط لهما بدقة ويجري تنزيلهما على نار هادئة، وجرعة جرعة….
بالنسبة للاتفاقيات والمواثيق الدولية فالمحامي ركن من أركان المحاكمة العادلة، وانتفاؤه هو من مبطلاتها، لذلك اعتبر تخويف المحامي أو ترهيبه أو منعه من أداء مهمته أو التضييق عليه، أو النظر إليه بعين التوجس والريبة، هو صورة من صور افتضاض غشاء بكارة المحاكمة العادلة، فقد ثبت أن مؤشر العدل والحق يقاس في الدول التي تتخذ منهما عقيدة، بمؤشر الاعتبار والمكانة التي يحظى بها المحامون، ومدى تيسير السلطات لمهامهم وتحفيزها لهم، والاحترام الواجب لهم، والنهوض بتكوينهم وتقويتهم وتمتين معارفهم، فإذا كان القاضي هو إبرة ميزان العدالة فالمحامي هو ضابط تلك الإبرة ومصلحها كلما فقدت مرونتها، وموجهها كي لا تتغول كفة على أخرى.
يبدو أن مندوبية التامك أعلنت حربا على المحامين بإصرارها على تفتيشهم داخل قلاعها، دون أن تقدم باعثا قانونيا أو دستوريا أو شرعيا على ذلك التفتيش، ودون أن تربط سبب نزول”آية التفتيش” بمواجهة كورونا، لكن المحامين يعولون على عاملي “الأرض والجمهور” ليس فقط لكسب الحرب، بل للزحف نحو تحرير ثغور تابعة لمهنتهم وقع غصبها واحتلالها، قصد استرجاعها إلى حوزة مهنة تلقت ما يكفي من الاستخفاف والإخضاع والتفريط.