حول العالمميديا و أونلاين

بورتريه: فيليتسيا المحامية الإسرائيلية التي أفنت عمرها دفاعا عن الفلسطينيين

سألني المحقق الإسرائيلي أثناء إحدى جولات التحقيق القاسية: من محاميك؟ كنت حينها لا أعلم من هو حتى اللحظة، لكني أجبته متحديًا وأنا على كرسي المسلخ: «فيليتسيا لانجر»، تغيرت ملامح وجهه سريعًا، واكتسى امتعاضًا مريبًا، ثم تدارك قائلًا: «ستعترف وحينها لن تنفعك فيليتسيا الشيوعية ولا غيرها”، المحقق معه، ليس سوى نائب الأمين العام ل”حزب الشعب الفلسطيني”، بهذا التقديم، فتح الصحافي الفلسطيني، عمر موسى من غزة، مقالا مطولا عن من يسميها الأسرى الفلسطينيون “الحاجة فولا”، والذي نشره بالموقع الإعلامي “ساسة بوست”،
«الحاجة فولا».. نصيرة الأسرى الفلسطينيين

يقول الصحافي في مقاله المطول عن فيليتسيا لانجر، أنها ازدادت في بولندا عام 1930، وأنها هاجرت إلى إسرائيل عام 1950، وهناك أنهت دراستها في الحقوق في الجامعة العبرية بالقدس عام 1965، ويضيف الصحافي الفلسطيني، عمر موسى أنه مع اندلاع حرب يونيو 1967، ستصبح فيليتسيا لانجر محامية فلسطينية بجنسية إسرائيلية؛ “إذ فتحت أول مكتب محاماة للدفاع عن الضحايا الفلسطينيين، إضافة إلى توثيقها لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، مثل محاولات تهويد الأراضي والانتهاكات العقارية، وكذلك وحشية الاحتلال في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين التي لطالما وصفها بغير الإنسانية”.

ويضيف عمر موسى في مقاله المطول المنشور في الموقع الإعلامي ساسة بوست أنه سيلمع نجم الناشطة اليسارية لانجر، في فترات الستينات والسبعينات وسيستمر لمعانها مدافعة شرسة عن الفلسطينيين حتى منتصف الثمانينيات، ويضيف ستتحول “إلى كابوس قانوني يؤرق حكومة الاحتلال الإسرائيلية التي شحذت كل قوتها التحريضية للتخلص من مطرقة فيليتسيا القانونية”.

ستواصل لانجر التي تحولت إلى أيقونة نصال إنساني في أذهان الفلسطينيين، وخاصة منهم الأسرى حتى حدود عام 1990، تاريخ الذي ستقرر فيه الهجرة إلى ألمانيا، هربا وخوفا من أن يقع اغتيالها، خاصة بعد تكاثر رسائل التهديذ والتحريض ضدها، يضيف عمر موسى.

«لن أكون ورقة التين لدولة احتلال»

قالت وهي تشد الرحال إلى ألمانيا بعد أن تواجهت يقول عمر موسى مع جهاز قضائي عسكري لا يقيم وزنا ولا عاتبارا للقوانين الحقوقية والإنسانية “هاجرت لأكون لاجئة من الأقلية المحرومة في بلد ليس لي، وأتذوق مرارة الفقر”.

يورد عمر موسى في مقاله المنشور في الموقع الإعلامي ساسة بوست مقابلات كانت أجرتها مع العديد من المهتمين والإلاميين منها مقابلة كان أجراها المخرج السينمائي الوثائقي عران أورفينا مع لانجر عام 2012 بحسب صحيفة «رأي اليوم»، وفيه، قالت اليسارية الحاصلة على ما يعرف بجائزة نوبل البديلة : «تركتُ إسرائيل لأنني لم أعدْ أستطيع مساعدة الضحايا الفلسطينيين من خلال الإطار القضائي الموجود، وفي ظلّ تجاهل القضاء الدولي، مع أنه من المفروض أن يدافع القضاء العالمي عمّن أُدافع عنهم، لم أعد أستطيع؛ لأنني أواجه أمرًا مستحيلًا»، وفي لقاء آخر قالت لجريدة «الواشنطن بوست»: «لن أكون ورقة التين التي تداري عورة الاحتلال”.

الرفيقة الشيوعية التي كانت شوكة في حلق المحققين

يقول عمر موسى على لسان الكاتب المقدسي، جميل السلحوت، “عرفت لانغر عندما اعتقلت في مارس 1969، كان الطّقس حينها ماطرًا، وبعد عدّة أيام من اعتقالي قال لي أحد المحققين في معتقل المسكوبية بالقدس مهدّدًا بأنّهم سيتسامحون معي إذا أوكلت محاميًا عربيًّا – ذكر اسمه لي – ليدافع عني، وإنّني سأندم إذا وكلت المحامية الشيوعيّة لانجر”.

وأضاف في نفس السياق “هذا ما قاله الكاتب المقدسي، جميل السلحوت، وهو يسترجع ذكريات غرفة التحقيق التي عرف بسببها المحامية فيليتسيا. إذ يقول: «بعد وقت قصير دخل محام عربيّ، وبعد أن ذكر اسمه، مدّ ورقة لأوقع على وكالة ليدافع عني، فأجبته بأنّه لا توجد عندي قضيّة تستحق توكيل محام، ورفضت التوقيع؛ فعاد المحقق يهدّدني، وبعد حوالي نصف ساعة دخلت امرأة حسناء ترتدي بدلة زرقاء، حسبتها شرطيّة، حتى قالت لي إنّها المحامية لانجر، وطلبت منّي أن أوقّع لها على وكالة، فقلت لها: وما يدريني أنّك لانجر؟ وذكرت لها تهديدات المحقق، فأخرجت بطاقة هويّتها وهي تقول مبتسمة: هذه هويّتي تأكّد منها”.

“أنا لكم ومنكم ولست منهم”

يقول عمر موسى الصحافي الفلسطيني في مقاله أن أيقونة النضال الإنساني في أذهان الفلسطينيين فيليتسيا “مُنحت وسام الاستحقاق والتميز من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عام 2012، تقديرًا لدورها في الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين ومساندة حقوقهم، وكذا من أجل الجهود التي بذلتها في سبيل تحقيق السلام”.

تأثرت كثير بهذا الاستحقاق وقالت عنه “لقد حصلت خلال حياتي على كثير من جوائز التكريم والتقدير لقاء عملي في مجال الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، لكن أكثر أوسمة التقدير التي لها تأثير في نفسي، بل أبكاني، كان وسام التقدير الذي منحني إياه الفلسطينيون مؤخرًا، أنا أبكي لأن التقدير أتاني من الفلسطينيين وهو يختلف عن كل تكريم سابق لي”.
في الشهر الماضي 22 يونيو ، سترحل المحامية فيليستيا عن كوكبنا في منفاها في ألمانيا “بعد صراع مع مرض عضال، تاركة خلفها إرثًا إنسانيًا فريدًا سيظل أثرًا أزليًا للإنسانية عامة، وللفلسطينيين خاصة، وكانت الراحلة قد أصدرت كتابين عن المعتقلين، هما: «بأم عيني» عام (1974)، والذي تَحَدَّثَ بالوقائع والتفاصيل عما يجري داخل سجون ومعتقلات الاحتلال بحق الفلسطينيين، و«أولئك إخواني» (1979) الذي فضحت فيه ما يتعرض له الأسرى من عذابات، إضافة إلى العديد من المؤلفات الأخرى”.

ويختم عمر موسى مقاله وبورتريه عن الراحلة فيقول لقد “نعى نادي الأسير الفلسطيني في بيان له المحامية الإسرائيلية المدافعة عن حقوق الإنسان، ونظمت هيئة شؤون الأسرى، ونادي الأسير، والهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين، وقفة تضامنية مع الراحلة، بمدينة رام الله”.

المصدر: ساسة بوست بتصرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى