العوفي: ما وقع للأساتذة المتعاقدين يسائل الوطن إلحقاقا فيما سماه ماكس فيبر:العنف الشرعي”
ما حدث للأساتذة المتعاقدين، الذين تظاهروا يومي 15–16 مارس 2021، يسائل الوطن إلحافًا حول ما يُسمِّيه ماكس فيبر “العنف الشرعي“.
الوطن لا يقوم، لا ينهض، لا يستوي، بل قد لا يكون له كون بدون أمْن وأمان. هذا تحصيل حاصل. كما أنه من النافل القول، إن الوطن لا يعتدل ميزانُه، ولا تستقيم أحوالُه، ولا يعلو كعْبُه، بل ولا تكون له شَنَّة ولا رَنَّة سوى باجتراح القانون، وبإنفاذه، روحًا ومنطوقًا، على أحسن وجه. كل القانون، لا أقل، ولا أكثر.
“المفهوم الجديد للسلطة” أتى لتهذيب الحكامة الأمنية، ولتطهيرها من الشوائب الشائنة، الفظيعة، البغيضة، التي شابت الماضي القريب. للقانون قوة يؤطِّرها القانون، وقانون القوة لا يرتدع ولا يرعوي سوى بقوة القانون.
عندما تنفلت القوة من عقال القانون يكون الوطن قاب قوسين أو أدنى من “حالة الاستثناء” (كارل شميت) التي تُلغي “حالة القانون“، وتُبْطل، بقرار سيادي،
سيادة القانون، بما فيه الدستور. “حالة الاستثناء” تؤكد “حالة القانون” التي هي الأصل. في “حالة الاستثناء” تتلبَّس الدولة أَوْجُه القوة المطلقة، وتقْترف العنف الشرعي بإفراط، بلا ضرورة، بلا تناسب، بلا ضبط للنفس. لسنا، ولله الحمد، في حال يُمكن أن يُشبه تلك الحالة التي وصفها كارل شميت. بل إن الأحوال، في منحاها العام، نراها تخطو دأَبًا نحو ترسيخ دولة القانون.
خطوات نخالُها وئيدة، مترددة، متحيِّرة، مرتبكة، تمضي صُعُدًا إلى الأمام، ثم، لأتفه الأسباب، في أتْفه المحن، تنقلب على عقبيها، لا تلوي على شيء. لا نملك، والحالة هذه، سوى أن نهمس في أذن الوطن، وفي الهمْس عِبْرة، إن ينابيع الدولة القوية تكمُن في التقيُّد بالقوة الشرعية، وفي تقْييد العنف الشرعي بالشرعية القانونية، مثل ما قيَّد أُوديسْيوس نفسَه بالأغْلال حتى لا ينْساق مع عرائس البحر . نهمس أيضًا، إن الدولة القادرة تستمد قدرتها من قدرة المجتمع، أفرادًا وجماعات، التي من مواردها الثقة التي إن يزْرعْها الوطن يجْني منها الأمن.