هل تباهي حركة حماس ب”النصر” في مكانه؟ وعلى من؟
يرى محللون أن “النصر” الذي تنادي به حركة حماس بعد أحد عشر يوما من التصعيد مع إسرائيل، يمليه شعور بأنها سجّلت نقاطا متقدمة في معركة تمثيل الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، وأضعفت أكثر منافستها حركة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية.
وبعد عودة الهدوء إلى قطاع غزة الجمعة بعد مقتل 248 فلسطينيا في القصف الإسرائيلي، عمت الاحتفالات القطاع المحاصر وأيضا الضفة الغربية المحتلة الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، حيث خرج المشاركون وحملوا أعلاما فلسطينية وأعلام حركة حماس.
وقال اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، في كلمة ألقاها “هذا نصر استراتيجي”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر أول قوة عسكرية في الشرق الأوسط، أن أكثر من 4300 صاروخ أطلقت من قطاع غزة في اتجاه إسرائيل، اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية 90 في المئة منها، مشيرا الى أن وتيرة إطلاق الصواريخ “غير مسبوقة”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في قطاع غزة جمال القاضي أن حركة حماس تشعر بأنها انتصرت “لأنها تمكنت من الضرب في عمق إسرائيل”، مشيرا “لم تتمكن إسرائيل من منعها من ضرب المدن الإسرائيلية بالصواريخ”.
ويشير الى أن حماس نجحت أيضا في تعزيز ترسانتها من الصواريخ رغم الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007 على القطاع.
إلا أن التباهي بالانتصار لا يمنع حقيقة أن الخسائر البشرية والمادية هائلة في قطاع غزة. فقد قتلت عائلات بكاملها. وبين القتلى 65 طفلا. ولحق دمار كبير بالبنى التحتية وبالمنازل، وأسقطت ابنية كاملة.
ووعدت حركة حماس سكان القطاع لمساعدتهم على إعادة الإعمار.
وتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من جهته عن “نجاح استثنائي” للعملية العسكرية الإسرائيلية.
وأعلنت إسرائيل تدمير أنفاق لحماس وقتل عدد كبير من القياديين فيها، وإضعاف قدراتها العسكرية.
واندلع النزاع بعد إطلاق حماس صواريخ في اتجاه الدولة العبرية في العاشر من أيار/مايو، تضامناً مع الفلسطينيين الذين كانوا يخوضون منذ أيام مواجهات مع الإسرائيليين في القدس الشرقية وباحات المسجد الأقصى.
ويؤكد محللون أن التصعيد مع إسرائيل سمح لحركة حماس بتقديم نفسها كالطرف الوحيد الذي يدافع عن الفلسطينيين.
ويقول الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات إن أحد الأسباب التي دفعت حماس للتصعيد هي “الانتهازية السياسية”.
وبحسب لوفات، أرادت حماس “تعزيز شرعيتها ليس فقط بين أنصارها بل أيضا لدى الجمهور الفلسطيني الأوسع”.
– “عبء الحكم”-
ومنذ 2006، تاريخ الانتخابات الفلسطينية التشريعية الأخيرة التي فازت بها حركة حماس، تسممت العلاقات بين حركتي حماس وفتح. في 2007، تفردت حماس بالسيطرة على قطاع غزة بعد أن طردت حركة فتح منه إثر اشتباكات دامية.
وتمّ الاتفاق مؤخرا على إجراء انتخابات فلسطينية جديدة تشريعية ورئاسية، وجاء ذلك في إطار مصالحة بين الجانبين.
وكان من المفترض إجراء الانتخابات التشريعية اليوم السبت، لكن الرئيس الفلسطيني أعلن إرجاءها الى حين “ضمان” إجرائها في القدس الشرقية، بحجة أن إسرائيل ما زالت ترفض السماح للمقدسيّين بالمشاركة الكاملة في هذا الاستحقاق.
ورفضت حركة حماس التأجيل واعتبرت القرار “انقلابا” على التوافقات الفلسطينية.
ويوضح لوفات أن حماس كانت تعقد آمالا كبيرة على هذه الانتخابات. “كانت ترى في الانتخابات سبيلا لتحقيق هدفها وهو التخلص من عبء الحكم” في قطاع غزة الفقير والمحاصر والذي ساء وضعه أكثر مع جائحة كوفيد 19.
ويضيف “إمكانية إجراء انتخابات ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية (مع حركة فتح) كانا سيسمحان بمزيد من التقدم” في القطاع، ولكن مع “إغلاق طريق المشاركة السياسية، كان عليهم (حماس) إعادة حساباتهم”.
ويقول إن حركة حماس “تستخدم دورات التصعيد بنية محاولة انتزاع تنازلات أكبر من إسرائيل”، مثل تخفيف القيود على استيراد البضائع أو زيادة عدد تصاريح الخروج من القطاع للسكان.
– الدفاع عن الإسلام –
وظهرت حماس وكأنها تحتكر “المقاومة” ضد إسرائيل، في وقت يظهر محمود عباس مهمشا بعد أن أضعفته سنوات من الدعوة إلى التفاوض مع إسرائيل من دون إحراز أي تقدم.
ويرى المحلل حسين أبيش أن “اندلاع العنف بشكل دوري” بالنسبة الى حماس، “يعد ميزتها التنافسية الرئيسية بالمقارنة مع حركة فتح”.
ويقول “يقومون بتقديم أنفسهم كمدافعين عن فلسطين والقدس والإسلام (..) وبأنهم وحدهم القادرون على جعل إسرائيل تدفع ثمن الاحتلال”.
وأصبح الرئيس الفلسطيني محمود عباس من وجهة نظر الفاضي “ضعيفا وأصبح أداؤه السياسي غير مقبولا” بنظر الفلسطينيين.
ولم يتحقق أي إنجاز على صعيد السلام مع إسرائيل خلال فترة حكم عباس (86 عاما). وقد انتهت ولايته عام 2009، لكنه بقي بحكم الأمر الواقع، إذ لم تحصل انتخابات.
ويوضح الفاضي أن حماس التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “منظمة إرهابية”، قد تواجه تحديا بعد التصعيد يتمثل في إعادة إعمار غزة.
أما لوفات فيرى أن “وقف إطلاق النار هش للغاية. ولا يوجد أي سبب للاعتقاد باستمراره لفترة أطول من غيره. الأمر مجرد مسألة متى ستكون الحرب القادمة”.