شعيب حليفي في ضيافة الكلية المتعددة التخصصات بمدينة آسفي
نظمت الكلية متعددة التخصصات بأسفي، بشراكة مع رابطة كاتبات المغرب فرع أسفي ندوة علمية حول موضوع: شعيب حليفي وأسئلة الإبداع والنقد في الرواية المغربية المعاصرة ذلك مساء يوم الإثنين 20 ماي بقاعة الندوات بالكلية.
افتتح اللقاء الأستاذ عبد الكبير الميناوي (الكلية المتعددة التخصصات بآسفي) منسق أشغال الندوة بكلمة ترحيبية أعرب فيها عن سعادته بالمشاركة والتنسيق لهذه الندوة العلمية، ومرحبا نيابة عن عميد الكلية بالروائي شعيب حليفي بجميع الأساتذة المشاركين في اللقاء من الجامعة المغربية. كما تضمنت كلمة الافتتاح تقديم سيرة المحتفى به، وما يطبعها من جدة وتأصيل إبداعا ونقدا. لينقل الكلمة إلى السيدة نادية متفق بصفتها رئيسة رابطة كاتبات المغرب فرع أسفي، والتي ضمنتها ترحيبا، وإشادة بمجهودات الكاتب، ومدى إسهامه في إغناء المشهد الثقافي المغربي خاصة، والعربي عامة.
وجدير بالذكر أن الجلسة الأولى قد تضمنت أربع دارسات شارك بها نقاد وباحثون هم: الأساتذة حسن المودن، والزهرة حمودان، وسميرة مصلوحي، وعبد الكبير الدادسي، وهي مشاركات سعت في مجملها إلى مقاربة تجربة شعيب حليفي الابداعية، وملامسة خصوصيات الكتابة الإبداعية عنده من خلال رواية “لاتنس ما تقول” الفائزة بجائزة المغرب للرواية لسنة 2020.
كانت أول أوراق هذا اللقاء ورقة د/ حسن المودن (كاتب وناقد – جامعة القاضي عياض) التي قدمها بالنيابة عنه لتعذر الحضور عليه لأسباب صحية، الباحث عبد العزيز الضيف، وقد عنون الأستاذ المودن ورقته بـ: “الرواية العربية: نحو محكي جديد الرواية عند شعيب حليفي مثالا” مهد لها بالوقوف على التوجه الجديد في الرواية العربية عموما، والمغربية تحديدا، وهو محكي الانتساب العائليrécit de filiation، هذا المحكي الذي تعود جذوره يقول الناقد إلى علم النفس مع فرويد، حيث يكون الارتكاز على الذات محور السرد والتخييل، وهو توجه سلكته تجارب روائية عربية، مثلها كتاب منهم: توفيق الحكيم في عصفور من الشرق (1938)، يحيى حقي في قنديل أم هاشم (1940) سهيل إدريس في الحي اللاتيني (1953) عبد الله العروي في أوراق (1989).
وأبرز الناقد تجليات محكي الانتساب العائلي، في رواية “لا تنس ما تقول” من خلال تمظهرات تمثلت في: محكي العودة إلى الرحم الأول. *بقاء الجماعة الحميمية حاجة ضرورية.الوريث الإشكالي في محكي الانتساب العائلي. *هيمنة المحكي النفسي.
وانطلاقا منها اعتبر المودن أن المحكي العائلي في تجربة شعيب حليفي الروائية، يرتبط برهان الكتابة عن الذات الكاتبة، فهي ذات تحتفل بالأصل، وبالأرض، وبالأجداد…غير أن محكي الانتساب العائلي عند حليفي ليس محكيا يتقوقع على الذات في محدوديها، معزولة، منضوية تحت لواء فرع عائلي محدد، بل هو محكي ممتد، يشمل الذوات في أبعادها المحلية، والوطنية، ينطلق من الحاضر في اتجاه الماضي: ينطلق من بيوغرافية شمس الدين في العصر الراهن، ليذهب بعيدا في الحفر بحثا عن الأصول والأجداد، فالسلالة التي ينتمي إليها الفرد هي التي تعطي الوجود معنى على حد تعبير الناقد.
ويؤكد الناقد في السياق نفسه هيمنة المحكي النفسي، بمختلف أشكاله ومتغيراته في رواية “لا تنس ما تقول” وقد تمظهر في المحكي النفسي للأنشطة غير اللفظية، وفي المحكي النفسي الاستعاري. حيث يجهل السارد كل شيء عن شخصية من شخصياته، ويراهن حينها على التقاط إشارات وتلفظات تبوح بما يضطرب في دواخل الشخصية، وحيث السارد ينتج خطابا عن الحياة النفسية الداخلية للشخصية بعبارات مجازية استعارية.
وقد اختتم الناقد ورقته ببيان الهدف من إعدادها، إذ يؤكد سعيه إلى إثارة أسئلة تساعد على تعرف خصائص محكي الانتساب العائلي، وهو محكي يفترض حسن المودن أنه جديد في الكتابة الروائية المغربية خاصة، والعربية عامة، بدأ يتأسس منذ تسعينيات القرن المنصرم. إنه محكي تأسس في رواية “لا تنس ما تقول” مُكرِّساً للوجوه العائلية والأبوية بالأساس، حيث تثير الرواية مسألة الهوية والأصل، والانتساب. عابرة لكل الخطابات والمعتقدات والموروثات الفردية والجماعية المشتركة. وفي سياق تأكيد ذلك يستشهد الناقد بمقولة فرويد: أن نكتب يعني أن ننفصل عن العائلي والمألوف.
وفي المداخلة الثانية الموسمومة بـ: قراءة في رواية لا تنس ما تقول النسق والسياق، تطرقت د/ زهرة حمودان(جامعة عبد المالك السعدي بتطوان)إلى رصد التطور الذي شهدته السرديات، منذ فلادمير بروب، إلى زمننا الراهن، الذي ترى فيه الباحثة عصر اتجاهات جديدة في الإبداع الروائي، من بينها الاتجاه نحو الرواية التاريخية. فرواية “لا تنس ما تقول” من منظورها يلتقي فيها المتخيل مع التاريخ في السرديات الكبرى، أو ما يسمى بالأنساق التاريخية التي تمر بها الإنسانية، فشعيب حليفي كما تراه الناقدة يستعيد التاريخ من خلال الترميز والإشارة.
وارتباطا بما سبق فقد أسست زهرة حمودان ورقتها على سؤال منهجي، صاغته كالآتي: ماهي العلاقة التي تربط السرديات الكبرى بالسرديات الصغرى التي تنبني عليها رواية “لا تنس ماتقول”؟
للإجابة على السؤال المطروح، فإن الباحثة ترصدت تمظهرات التاريخي في الرواية، لتصل إلى تأكيد كونها رواية تحكي عن تاريخ عقدي لسبع قبائل مغربية امتد وجودها من الأطلس إلى الصحراء، خلال ثلاثة قرون، أنجز أبناؤها تراثا روحيا وثقافيا. وبغية تبيان ذلك ترى أن حليفي قد وظف العجائبي لاغناء البعد الروحي الملقي بظلاله على متواليات الرواية، كما أنها رواية تنبني على تشكيلة من الرموز، يمكن عدها مفاتيح تتقصد إثارة التأويل من لدن المتلقي.
إن مداخلة الباحثة زهرة حمودان في عمقها تكشف عن آليات النظام الذي يحكم السياق الروحي داخل نسيج رواية “لا تنس ماتقول” وذلك بغية إعطاء هذا النظام شيئا من العقلانية، وهو ما استنبطته في خاتمة ورقتها، إذ تؤكد كون الرواية تحفل بنسيج من العلامات ذات الأبعاد المختلفة.
أما المداخلة الثالثة فقد عنونتها د/ سمية مصلوحي بـ: البعد الحجاجي في المتخيل السردي لرواية “لا تنس ما تقول” وقد تضمنت في مقدمتها وصفا للكتابة عند الروائي شعيب حليفي، وقد اعتمدت الباحثة مدخل التيمات/الموضوعات الكبرى لتأطير تحليلها للرواية.
إن رواية “لا تنس ما تقول” فسحة للقارئ -على حد تعبير الناقدة- يسافر عبرها إلى عالم الحكي المنبني على تأريخ سردي، لسيرة مدينة الصالحية، ولوقائع تاريخية، وقعت سهوا من التسجيل، فحفظتها الذاكرة. والرواية فضلا عن ذلك تطرح تساؤلات حول قيمة الوجود في هذا الزمن. وبالرجوع إلى المنطلق التحليلي المعتمد، فإن الباحثة ترى تمظهرات لموضوعات كبرى، تتمثل في الآتي:
– القلق الوجودي ومتاهة الحياة.
– بين الخيال والواقع نسيج الحكاية.
– السخرية من الواقع السياسي والاجتماعي.
– الحلم بالعودة خلاصا للذات.
فالناقدة ترى أن الكاتب حليفي مهووس بالقلق الوجودي، وهو ما دفعه إلى التخييل المتجسد ندا للواقع المضطرب، والمأزوم. ولبلوغ ذلك فقد سعى إلى تشكيل عالم سردي، لا وجود للاعتباطية فيه، حيث الشخصيات والعنوان يضمرا دلالات وايحاءات.إن هم الرواية من منظور الناقدة يكمن في الاشتغال على هم العيش الإنساني الكريم، في ظل التحولات السياسية والاجتماعية، صورها حليفي بأسلوب ساخر يختزن حمولة حجاجية.
وفي المداخلة الموسومة بـ ” بين التجريب وتبئير المشروع في روايات حليفي من “زمن الشاوية” حتى “لا تنس ما تقول” ” انطلق ذ/ الكبير الداديسي من كون الروايتين وإن كتبتا في زمن وظرف مختلفين (الأولى صدرت سنة 1994 والثانية فازت بجائزة المغرب سنة 2020) فإنهما تتشابهاعلى مستوى الفضاء الذي تمسرحت فيه الأحداث(الشاوية) أو البناء العام (الانطلاق من الشاوية نحو مدينة كبيرة أو الخارج ( بطل الرواية الأولى سافر إلى فرنسا وبطل الثانية سافر إلى إسبانيا ) والعودة بروح التغيير ومواجهة الفساد، الجهل التخلف الشعوذة الفكر المخزني …. ليقف الباحث على أسئلة الرواية المعاصرة من خلال مشروع شعيب حليفي الذي يضم تسع روايات ويركز على الأسئلة التالية : سؤال البحث عن الشكل المناسب، تبئير الرواية وتشتيت المحكي، تعدد الأصوات والوعي، التمرد على النمط الكلاسيكي، أسطرة الزمن، خلخلة البناء التقليدي ، الانتصار للمحلي، المزج بين الفصحى والعامية بحثا عن لغة ثالثة تقول ما لا تستطيع قوله إلا الرواية، الاستلهام من التاريخ وتجاوز دور المؤرخ، كتابة تاريخ من السرد ينتصر للتاريخ المنسي والمهمش، الرمزية والغرائبية لتصوير واقع عصي على الفهم ..لينتهي الباحث إلى مجموعة من الخلاصات أهمها أن شعيب حلفي وإن تعدد مظاهر التجريب في مشروعه فإن مشروعه واحد انتهي فيه من التجريب بحثا عن الشكل المناسب إلى اعتماد التجريب كرؤية فنية للعالم تقوم عليها تجربته الروائية، وجعل الرواية على حد تعبير باختين ( مغامرة دائمة تبحث فيها الكتابة وقد تحررت من قواعد الشكل ومن قيود المضمون عن عوالم جديدة وأشكال جديدة.)
ليستنتج بعد عدد من المحاور قيام تجربة شعيب حليفي على التجريب، وتجاوزه حيث اعتمد كرؤية فنية تقوم على البحث ودعوة القارئ لإتمام هذا البحث بالرهان على ذكائه وذلك بإعادة صياغة أحداث الحكاية، وينتهي إلى أن كتابات شعيب حليفي ليست كالسفينة التي تحدث رجة في مياه البحر، فسرعان ما تعود المياه لطبيعتها بابتعاد السفينة، فهي لم تكتب لتنسى وإنما لتفتح نوافذ جديدة أمام القارئ.
وتتويجا للندوة المنظمة برحاب الكلية، فقد اختتم اللقاء بجلسة علمية ثانية، وسمت بـ: محاورات الروائي والناقد شعيب حليفي، وقد حاورته ذة /سارة بنزعيمة، وكانت الفرصة سانحة لطرح أسئلة تتعلق بخصوصية الكتابة الإبداعية والنقدية عند حليفي، حيث افعِمت الجلسة بتفاعل الحضور من أساتذة، وطلبة ومهتمين. وقد تخللها تفاعل المحتفى به، الذي كشف عن ما يميز تجربته في الكتابة والبحث. وفي ارتباط برواية “لا تنس ما تقول” فالكاتب يرى أنها تشكل بمعية روايتي “رائحة الجنة” و ” زمن الشاوية” مسودة لنص واحد، يتجسد فيها التخييل متماسا مع التاريخ والذات والوعي والمجتمع. أما عن خصوصية الإبداع عنده، فإن الرهان الذي ينشد تحقيقه هو البعد الجمالي، وجعل الكتابة منتجة للوعي وللمعرفة، إنه ذلك الوعي المتسم بالانفتاح والنسبية على حد تعبيره. فالكتابات الإبداعية السابقة، ينعدم فيها التاريخ الاجتماعي، المجسد لواقع الفئات المهمشة، وهو ما تحقق في الرواية الحداثية، التي يرى حليفي أن نجيب محفوظ أحد أعلامها.
وفي معرض الحديث عن تجربته النقدية، فإنه أشار حليفي إلى أن الممارسة النقدية لا تتعالق مع الإبداع، فلكل مجال قواعده، وضوابطه ومادته. – فإذا قام الإبداع على الناقد أن يصمت، أو كما قال: حينما أكتب إبداعا أتمرد على النقد.