أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات…تربك الإيديولوجيات
منذ القرن التاسع عشر ظلت أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات… بدء بالإنجليز الذين دخلوها وغادروها في شتاء دموي، ثم السوفيات الذين قتلوا أكثر من مليون أفغاني…ورغم ذلك غادروها مندحرين.. وأخيرا أمريكا… أفغانستان حقا مقبرة الإمبراطوريات..
********************
طالبان تدخل كابول…
ما بني مصطنعا ينهار سريعا..
كدولة أفغانستان على مدى عشرين عاما…
لا يمكنك أن تصنع دولة كمحتل…
المال والسلاح لا يصنعان الاستقرار والأمم والمجتمعات المستقرة..
أمريكا كما يراها اليسار، قلب الإمبريالية النابض، ومصنع الرأسمالية المتوحشة، وجبهة الصراع الحضاري.. فهي حاضنة إسرائيل، و مفتتة الوطن العربي… صاحبة الفيتو الذي قهر العالم…
أمريكا هي من صاغت معجم الإرهاب…. وحددت خاناته…
أمريكا التي بالنسبة لليسار حليفة كل نظام مستبد في العالم من أجل مصالحها على حساب حرية الشعوب وخياراتها الحضارية…
أمريكا واليسار عداوة لا تنتهي..
طالبان … حركة دينية موغلة في فقه القرون الإسلامية الأولى..
طالبان كما يراها اليساريون… ظلام واستبداد وقهر للمرأة… وقهر للآخر المختلف…
طالبان التخلف… تطرد أمريكا صانعة الفوضى والمخيمات والخراب والحروب … رأس الرأسمالية المفترسة… التي تفترس حتى حلفائها إن جاعت وضاق مجالها الحيوي…
وبينهما… ضاع موقف اليسار…
فخروج أمريكا… انتصار ضد الاحتلال… ضد الرأسمالية… ضد جيش قوي ما فتئ يفتت الخريطة العربية…
لكن المنتصر طالبان… طالبان… ذات المرجعية الدينية المتطرفة…
ما العمل…؟
الرفاق حائرون…
هل يحتفلون للخروج الأمريكي… ويرقصون حد الثمالة لهزيمة رأس الرأسمالية، واندحار الناتو، كما احتفلوا مع فيتنام ..؟
لحظة… المنتصر ذو لحية كثة وعمامة وعباءة فضفاضة…
المنتصر هو من قهر الشيوعية بسلاح الرأسمالية…
المنتصر هو من قهر الرأسمالية اليوم ببندقية ما تبقى من ظل الشيوعية..
الرفاق في ورطة…
هل يتحسرون على انتصار اسلام طالبان..؟
هل يفرحون…؟ هل هي نكبة… نكسة… أم فجر جديد بلحى وسجادات…؟
هل… يصمتون… بمثقفيهم كالعادة… ويركنون للسلم الفكري…؟
الحقيقة أن حركة صمدت عشرين سنة… مثل طالبان… تغري كل وجدان تحرري…
حركة احتضنها شعبها… وفر في وجهها جيش أفغاني مدجج بأقوى الأسلحة المتطورة… يجعلنا نتوقف… لحظة..
ونقول… لا يسار ولا يمين…
الأفغان اختاروا طالبان…
ونحن … على بعد آلاف الكيلومترات نحاول فهم حركة مسلحة لها عقيدة دينية تمنح الصمود و الباث على الموقف… مقابل جيش أفغاني عقيدته راتبه….
العقيدة… تنتصر دائما…
الإيديولوجية تأكل لتستمر من مناصريها..
اختلف مع طالبان…
لكن لا أختلف مع ما اختاره الأفغان…
ربما الديمقراطية مجرد كذبة…
ربما هناك شعوب تضرها الديمقراطية الفاسدة وتحتاج إلى شيء آخر…
لم ينته التاريخ… هناك هامش حضاري… يغير مجراه… نحو صراع من نوع آخر…
رؤية مؤطرة:
انهزام أمريكا ليس بالمفهوم العسكري، أن تغير أمريكا حساباتها، استراتيجيتها هو في حد ذاته فشل لمشروع أصبح منتهية الصلاحية، والآن تصب التحليلات في رغبة أمريكا في صنع منطقة توتر في المنطقة لمحاصرة المشروع الصيني البحري والبري التجاري، وإرهاقها بصراع حول الأقلية المسلمة الهيغور … وإنهاك الروس عبر قضية مسلمي الشيشان.. للسبب نفسه، وصناعة دولة سنية قوية لخلق التوازن مع إيران لإخراج السعودية من المعادلة… كلها معطيات من باب التحليل والتوقع… ولا ندري ما يدور في عقل طالبان..
هامش: قد تختلف معي، لكن لا تنس أنني أحبك..