إصدار جديد: من لسانيات اللغة إلى لسانيات التواصل…عن النسق والاستعمال.. لمحمد الحيرش
صدر مؤخّرًا للدكتور محمد الحيرش عن دار الفاصلة للنشر، طنجة، كتاب “النسق والاستعمال: من لسانيات اللغة إلى لسانيات التواصل”، وهو كتاب يقع في 332 صفحة، ويتفرّع إلى قسمين: خُصّص أولهما لدراسة أبرز التوجهات النظرية والمنهجية التي تعتمد عليها اللسانيات العلمية الحديثة في وصف اللغات الطبيعية وتفسيرها.
بينما اهتم القسمُ الثاني ببسط المشاغل المهيمنةِ على لسانيات التواصل، وبحثِ التمايزات الفاصلة بينها وبين لسانيات اللغة إن على صعيد المرتكزات النظرية والإيبستيمية التي تصدران عنها، أو على صعيد المفاهيم والإجراءات التي تتوسلان بها.
ولعل ما يميّز كتابه الجديد الذي يرصد فيه الأصول المنهجية والإيبستيمولوجية لعلاقة لسانيات اللغة بلسانيات التواصل، أنّه جاء متمحورًا على مفهومين جوهريين هما: مفهوم النسق ومفهوم الاستعمال بوصفهما من المفاهيم المركزية الناظمة للعلوم اللسانية الحديثة.
حيث ركّز الباحث اهتمامه على تجلّيات هذين المفهومين وكيفيّة اشتغالهما في العديد من التوجهات اللسانية، ونهج في تحليلهما ومناقشة ما يتصل بهما من إشكالات أسلوبًا علميًّا دقيقًا لا مجال فيه للحشو، وبعيد عن الغموض والتعقيد.
كتب الأستاذ الحيرش بلغة علميّة شفافّة، وقد أكثر من الإحالات وتوسّع في التعليق على مصادره ومراجعه. كما عرض لكلّ مفهوم في المتن، مع مناقشة الإشكالات ووصلها في الهامش بسلسلة من الإحالات الدقيقة والشروح.
“ينبّه الأستاذ الحيرش إلى أن توصيل أساسيات علم كاللسانيات ليس عملًا بسيطًا؛ فالعديد من مظاهر الاضطراب الاصطلاحي والخلل المعرفي ما كان له أن يقع لو أنّ أصحابها كانوا متمكنين من سعة المعرفة اللسانية وتشعباتها”
في البداية أوضح المؤلف أنّ ما دفعه إلى تأليف كتابه يعود إلى اعتبارين اثنين: أحدهما يتمثّل في كون جملة من الكتابات التي تتّخذ صيغة مداخل إلى اللسانيات لا تقدّم في الغالب عن هذا العلم عرضًا دقيقًا ومقنعًا، كما يطبعها التبسيط المخلّ والاختزال، الأمر الذي جعل صورة اللسانيات تبدو في هذه الكتابات أقرب إلى علم موحَّد ومتجانس اختُزلت توجهاته النظرية المتنازعة، ومسالكه البحثية المتفاوتة إلى ضرب من التوجهات المتساكنة والمسالك المتماثلة.
وهي الصورة التي لا تعكس واقع البحث اللساني في تعدّد اجتهاداته المعرفيّة، ورحابة مرجعياته الكونية.
لهذا ينبّه الأستاذ الحيرش إلى أن توصيل أساسيات علم كاللسانيات ليس عملًا بسيطًا يمكن أن يزاوله كل من شاء؛ فالعديد من مظاهر الاضطراب الاصطلاحي والخلل المعرفي ما كان له أن يقع في العيِّنة المشار إليها من الكتابات لو أنّ أصحابها كانوا متمكنين من سعة المعرفة اللسانية وتشعباتها، وملمين بدقائقها وتحولاتها.
بل إن تفشّي مثل هذه المظاهر لا يؤثر في سلامة تلقّي المعرفة اللسانية وسلاسة تداولها فحسب، إنه يشوش أيضًا على الجهد الكبير الذي بذله اللسانيون الرواد وتلامذتهم في عالمنا العربي لتأصيل اللسانيات الحديثة، وتعميق مكاسبها.
أما الاعتبار الثاني فيرتبط عنده بتفنيد اعتقاد شائع يقضي من وجهة نظر بعض الأدبيات بأن لسانيات التواصل هي امتداد للسانيات اللغة، وبأنها حلقة في مسلسل تطور المعرفة اللسانية الحديثة.
وهو اعتقاد غير سديد؛ لأنّ لسانيات التواصل نشأت بجوار لسانيات اللغة وفي اشتباك نقدي معها منذ البدايات الأولى لميلاد اللسانيات العلمية الحديثة، ثم نمت بعد ذلك وتشعّبت اتجاهاتُها في تقاليد متعدّدة لسانية أو فلسفية لغوية.
عن العربية