ذ غيثة لبلول تكتب: ’الحلم المحظور” للحسن زينون نبش في سيرة محنة فنان
لحسن زينون " لقد اغتنى سني الصغير جدا وتغدت مخيلتي بالألحان والإيقاعات وبهذه الطقوس الفريدة التي تشربتها بمذاقات حلوة بريئة "
“الحلم المحظور” مؤلف للمبدع المتعدد لحسن زينون يطرح موضوعا عاما ،وخاصا في نفس الوقت : عام لانه يرتبط بالسلوك الاجتماعي ،وخاص لانه قضية الاستاذ زينون التي نالت من جهده وحياته ، موضوع مثير ، و صعب في تداوله ،معقد لارتباطه بالقيم والمعتقدات السائدة والمتداولة….
في الكتاب استوقفتني الكثير من الأسئلة التي كان يطرحها المؤلف ” لحسن زينون ” منها الفقرة التالية :
“هل كنت مدركا في أعماقي الدفينة بأن الرقص الذي اكتشفته للتو ،كان يبنيني من الداخل ويتلبسني مثلما كان يطور في شخصيتي قوة الاحساس بالحياة والجمال ،وهي القوة التي ساعدتني كثيراً على التغلب على المصاعب المتعددة التي اعترضتني ،بل ومكنتني من صياغة مصيري الفردي بكل جرأة وحماس ؟” ص44
كلام صيغ على شكل سؤال أو بالأحرى تساؤل ،لكنه في العمق تحليل واعتراف ،بل إقرار يعكس تأملات في حياة كانت مليئة بالتعقيدات…..
اعتراف من شخص ظل مولعا بالرقص منذ طفولته ،ليصبح أستاذا لفن قلما اعترف به المجتمع ،فن اعتبر لزمن طويل مجالا غير متاح….
فن أريد له أن يصنف ضمن المحظورات في المجتمع ،لا لشيء إلا لأنه يتخذ من الجسد أداة للتعبير، وكل ما يرتبط بالجسد يعتبر من الطابوهات ،يجب السكوت عنه ،بل إضماره،ولا يذكر الامع كلمة ” عيب ” و ” حشومة ” وهي كلمات تقاس بها سلوكات الفرد في علاقة بما يرفضه المجتمع….’’ ففي بلدي الذي تنعدم فيه التربية الفكرية والفنية الحديثة ،نظر ، دائما ، الى الجسد باعتباره جنسا وليبيدو فقط وليس باعتباره وسيلة تعبير فني وجمالي .’’
لحسن زينون في كتابه وفي هذه الفقرة بالذات يعتبر الجسد قوة كامنة ،لا بد من إخراجها من الوجود الكامن الى الوجود بالفعل ،هذه القوة هي التي تخلق في الشخص الاحساس بالجمال والحياة….
الجمال قيمة فنية عليا ترتبط بالذوق والاحساس ، إحساس ينشا منذ الطفولة باعتباره خاصية إنسانية تنمو مع الانسان وتتجلى حسب التجربة والمحيط التربوي ،وهذا ما عبر عنه لحسن زينون ” لقد اغتنى سني الصغير جدا ، وتغدت مخيلتي بالألحان والإيقاعات ،وبهذه الطقوس الفريدة التي تشربتها بمذاقات حلوة بريئة ” ص39 .
لحسن زينون ،ابن الحي المحمدي ،(وهو يعتز دائما بهذا الانتماء) حيث نشأ وعاش طفولة غنية ،أمدته بطاقة كبيرة ،رغم كل المعاناة والتعقيدات التي فرضتها عليه ظروف نشاته خاصة في السنوات الأخيرة للاستعمار وبداية الإستقلال….
زينون الفنان المبدع عانى كل أشكال التضييق و القمع والمنع ،قاوم كل صور الإحباط والاضطهاد ،ولم يستسلم أبدا ، بل اختار التحدي ليعيش حريته كما يريدها ،حرية مدعومة بالقيم الأخلاقية…
لحسن زينون رفض كل القيود التي تعيق مسيرته الفنية ،وتجاوز كل أشكال السلطة التي تحد من شغفه او تقتل فيه روح التطلع وبناء الذات….” عشت طفولتي الأولى حرا سائرا بلا توجيه رغم قساوة أبي ” ص47 .
“الحلم المحظور ” ليس مجرد سيرة ذاتية ،تحكي عن مراحل متعاقبة لصاحبها ،تعكس ملامح شخصية فنية لها ميولات ورغبات ،شخصية عاشت أطوارا وتقلبت بين مواقع اجتماعية مختلفة من اجل الوصول الى أهداف في الحياة كما يسعى كل مثابر….
” الحلم المحظور” هو رسالة تحمل أبعادا متعددة ومتداخلة ،رسالة تعكس صورة معينة لواقع اجتماعي مترابط الأطراف ،لكنه متشابك القضايا،مجتمع سادت فيه كل تعقيدات الحياة من السياسي إلى الاجتماعي ثم الاقتصادي المتأزم، مجتمع تترسخ فيه المعتقدات ويخضع لطقوس قد لا تبلى ولا تمحي بفعل تأثيرها على الأفراد والعلاقات.
” الحلم المحظور” رسالة تحدي ومجازفة في عالم تعيقه ،بل وتعوقه الطابوهات وتحكمه الطقوس والمعتقدات…
“الحلم المحظور ” رسالة عنوانها العزيمة والإرادة القوية ،هدفها السمو بالذات الإنسانية ،والارتقاء بالنفس الإنسانية عن طريق التعبير الجسدي….
” الحلم المحظور ” دعوة إلى اكتشاف الذات ومعها انفتاح المجتمع من خلال تربية ثقافية حديثة يمتزج فيها الذاتي النفسي بالاجتماعي المشترك …
” الحلم المحظور” نافذة مجازية ” ( استعير هنا مفهوم النافذة كما وظفه صاحب الكتاب ص76 )، نافذة للتجاوز ،نافذة للتحليق من اجل تصحيح الرؤية الخاطئة عن الفن والابداع عامة ،وعن الرقص خاصة ،هذه النظرة الدونية التي تستغلها بعض التيارات المذهبية للتقليل من قيمة الفن …
الفن بكل أشكاله ليس مجرد متعة او استمتاع ،الفن حياة ، بل هو طريق نحو تخليد الإنسانية في أكمل تجلياتها وأنبل أهدافها…
يقول جلال الدين الرومي “عندما ترقص ،لا يكون هدفك الوصول الى مكان ما في ساحة الرقص ،بل الحرص على الاستمتاع بكل خطوة ،وهكذا الحياة ”
وتؤكد مارثا گراهام على دور الرقص في التعبير بقولها ” يقول الجسد مالا تستطيع الكلمات ”.