الفنانون العصاميون أكثر ثورة على النظم السائدة”

يقول مارتن هايدغر بكتاب “أصل العمل الفني “:
الحقيقة تعمل عملها في الفن. فهي إذن ليست شيئًا حقيقيًّا فقط. فاللوحة التي تُظهِر حذاء الفلاح، والقصيدة التي تتحدث عن البئر الرومانية، لا تفصح عن الموجود المفرد من حيث هو فحسب، وإنما تترك الكشف يحدث من خلال علاقته بالموجود كلية […]. كلما كان ظهور الحذاء أبسط وأكثر جوهرية، وكلما كان ظهور البئر أكثر صفاء، كان كلُّ موجود معهما أكثر حضورًا وأكثر لطفًا. على هذه الصورة تتمُّ إضاءة الوجود المتخفِّي. وهذا الشعاع في العمل الفني هو الجميل. الجمال هو الطريقة التي توجد بها الحقيقة بوصفها كشفًا.
وهذا مايسعى الفنان التشكيلي المغربي رشيد باخوز الى خلقه وتحقيقه من خلال أعماله التي تحمل صبغتها وجيناتها الخاصة ، البحث عن الشعاع في العمل الفني ، أي البحث عن الجمال من خلال الضوء والتساؤلات الفلسفية العميقة .

كان يمكن لرشيد أن يكون موسيقيا أو كاتب سيناريو ، هل يرى رشيد أن الفن يختار فنانيه ، كيف اختارك التشكيل ؟

لم يكن لرشيد باخوز أن يكون إلا تشكيليا… الفن لا يختار أحدا،.كانت ملهمتي أمي التي تأثرت بادئ الأمر بأعمالها في الحياكة والطرز.. أسرتني تلك الخفة وتلك النسقية والتناغم الذي يتولد عن تداخل الخيوط والألوان فيما بينها. كبرت في الرغبة في اقتحام عوالم اللون، درست الفن ومن ثم التصميم ثم الديزاين.. فلم أحد يوما عن إختياري لأصير تشكيليا.. فلهذا يمكن أن أقول أني اخترت الفن والفن اقتحمني.

هل يؤمن رشيد باخوز بفهوم المؤسسسة .هل كان للمدرسة دور معين في توجيهك نحو التشكيل ، مادة التربية الفنية مثلا ؟
للدراسة الأكاديمية في الفنون، دور مهم جدا لصقل مواهب الدارسين، وتطوير أساليبهم.. والمرور من المدرسة بالنسبة لي شخصيا كان مهما. وهذا لا يعني أن المدرسة
وحدها ما يصنع الفنانين، بل إنه يوجد فنانون عصاميون لم يلجوا أبدا أية مدرسة، ورغم ذلك قد أبدعوا، بل إنهم الأكثر قدرة على الثورة ضد النظم السائدة في الفن.

هل يمكن أن يلعب الفنان دور المصلح الاجتماعي من خلال أعماله؟

دور الفنان هو انتاج الفن والأعمال الفنية، وأما دور الإصلاح فهو منوط بالسياسيين والمفكرين والإعلاميين… أما الفن بدون هؤلاء لا يمكنه أن يصل إلى المواطن العادي. فلابد من تكاثف الجهود من أجل الإصلاح. وما على الفنان إلا أن ينتج الجمال، وجعل المتلقي يطرح الأسئلة، وهذا هو المهم.

رشيد كتب عنك الكثير من النقاد، وجدت بصمتك الخاصة أو بمعنى اخر وجدت الصبغة الأصلية لأعمالك ، إذ طلبت منك أن تعرفنا ببصمة رشيد باخوز ماذا يمكن أن يكون الجواب باستعمال اللون؟
فنيا يمكن أن أقول أنني أنتسب للمدرسة الحروفية، وذلك راجع لاشتغالي على الحرف، باعتباره صورة تشكيلية تختزل في طياتها تأويلات ورؤى متعددة، تتعلق بالآن وما مضى والمستقبل، باعتبار أن اللغة ساكن الإنسان وهم محركه في الفهم والتأويل والتفسير والتواصل، والحرف مظهرها الظاهر، بل إن مقامه عند اللغويين والمتصوفة يكاد يكون متجاوزا للعالم الميتافيزيقي، إذ عند ابن عربي نموذجا فالحرف مركز كل الرؤى، لدرجة أن هذا المتصوف رأى نفسه يتزوج كل الحروف، ما يعطيها صفات وجودبة وإنسانية.

الألوان المفضلة لباخوس ، هل ترى أن الأسود أصل الألوان أم حاجبها ؟ هل يؤثر اللون في فكر الأفراد؟

ليس لدي لون مفضل، بل هي حالة وبحث يستوجب العمل بلون معين. فكل عمل يستدعي ألوانه الخاصة. ولكن يمكن أن أذهب إلى حد القول أن الألوان تفرض نفسها أحيانا، بل الفنان يجد نفسه مجبرا بالاشتغال على لون معين، وذلك يرجع للحالة النفسية والآنية التي تسيطر على الفنان. وقد ذهب مجموعة من المختصين إلى اعتبار الألوان تنبض بالحياة، بل إنها جزء مما يسمى بالعلاج بالفن. ولكاندانسكي كتاب مهم “روحانية الفن” يعالج فيه الدور الذي يلعبه اللون في العمل، واستقلاليته بمعزل عن الشكل.

العنف ، الإرهاب، الجرائم، الجفاف العاطفي والجمالي ، هل الفن أصبح قاصرا وغير قادر على نشر قيم الجمال والحس الجمالي؟

الفن أداة مقاومة فعالة ومهمة، لكن لابد من الوعي بذلك. وتقوية الفنون ببلادنا، والرفع من سقف الدعم والتفكير في انشاء معاهد جديدة، ومتاحف أخرى وتحفيز دور العرض، والاهتمام بتدريس الفنون بالمدارس الابتدائية والإعدادية لتنشئة جيل واع بالبعد الجمالي وأهمية الفن في بناء المستقبل.

اللغة العربية ماذا تعني لباخوز؟ ماهو الحرف الذي تسعمله بأغلب أعمالك، لماذا؟

ماذا عساي القول عن اللغة العربية؟ إنها لغتي الأم الثانية بعد الأمازيغية، وهي لغة حية نابضة بالجمالية، لكن لابد من اخراجها من التأزم الذي بطالها من المدافعين عليها، فأي لغة هي قابلة للتطور والتغير.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فلا حرف معين وفي حد ذاته أشتغل عليه. فأنا أوظف الحرف في بعده الانسيابي، وأحيانا أكتفي فقط بجزء أو حركية الحرف فقط. وأثناء العمل على اللوحة يفرض الحرف نفسه أو انسيابيته أو حركيته.

– حدثنا عن آخر معرض والذي تم قبل أسبوع تقريبا بفيلا الفنون بالبيضاء ، وما هي أعمالك القادمة ومشاريعك ؟
لقي معرضي الأخير بڤيلا الفنون بالدار البيضاء نجاحا باهرا من حيث الحضور وتفاعل النقاد و الجمهور الإعلام. وهذا ما يحفزني بعد كل معرض على تطوير تجربتي والبحث عن تجارب جديدة ومواضيع جديدة، وهنا لا يفوتني أن أشكر كل من كانت له يد في إنجاح هذا المعرض من نقاد وفنانون وإعلاميون.
هناك مشاريع قادمة سيتم الكشف عنها في حينها.

أربع كلمات ماذا تعني لباخوز:
اللون: روح نابضة بالحياة.
دولاكروا ديوجين: فنان اخترق الزمن واكتشف منبع الضوء.
الحب:ابنتي لينة نبض القلب.