حكومة النحس والتحكم في الرقاب.. أخنوش يشن حرب الأغنياء على الفقراء
بات جليا أن باطرون الحكومة عزيز أخنوش يقود حرب الأغنياء ضد الفقراء، بعدما أحكم قبضته على الحكومة، التي يمكن أن نصفها بـ”حكومة النحس”، إذ منذ تولي مهامها والكوارث تقع في المغرب وفي العالم، من الجفاف والغلاء إلى حرب الروس والأوكران، كما أحكم قبضته على البرلمان، الذي أضحى يمرر به ما يريد من تشريعات وقوانين بهيمنة الصوت الأغلبي الواحد، ودانت له حتى المجالس الجماعية والمجالس الجهوية ومجالس العمالات والأقاليم، بعدما سقطت كلها تحت القبضة الهيمنية لإرادة وتوجّهات كبير تجار المحروقات “عازيد أخنوش”…
أقول هذا، دون أدنى مبالغة، بعدما تكوّنت لدي هذه الخلاصة، خلال تتبّعي لمضامين المناقشات النيابية، حيث واضبت على حضور اجتماعات اللجان البرلمانية حول مختلف الميزانيات الفرعية للقطاعات الحكومية، والتي غاب عنها أغلبية النواب، وصولا إلى الجلستين العموميتين، ليومي الخميس والجمعة، واللتين توجتا بمصادق مجلس النواب، بالأغلبية “الحكومية”، على مشروع قانون المالية لسنة 2023 برمته…
هناك العديد من الملاحظات، التي تكوّنت لدي حول مستوى وطبيعة المناقشات تلك، سأفصّل فيها عندما يسنح المقام، على أساس أن أركز المقال، هنا، على حدث نوعي طبع جلسة أمس الجمعة، يستحق أن نقف عنده، ونستخلص ما يجب استخلاصه منه… ويتعلّق الأمر بالمداخلة القوية لرئيس لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، والقيادي بحزب الأصالة والمعاصرة، هشام المهاجري، الذي يبدو أنه ضاق درعا بالتوجّهات التراجعية والإجراءات الجائرة والتعسفية، التي انحدرت إليها حكومة أخنوش، فقرّر تكسير جدار الصمت، وكانت النتيجة أنه أطلق على أخنوش صواريخ أرض جو…
صواريخ المهاجري لم تأت من السماء، بل استعارها من خُطب الجالس على العرش، وتوجّه بها مباشرة إلى باطرون الحكومة عزيز أخنوش، الذي تأسف المهاجري كما تأسفت كل الفرق التي تدخلت لعدم حضوره وكل أعضاء حكومته للجلسة العامة ليوم الخميس، ولم يحضر سوى وزير “السيادة” المايسترو فوزي لقجع، كما غاب رئيس الحكومة وجل وزرائه عن الجلسة العامة ليوم الجمعة.. في جلسة الجمعة، قال المهاجري متوجها لأخنوش: “كيف ما بغا نفهمو سياستو، خصو حتى هو يفهم معاناة المغاربة”، ليضع النقط على حروف هذه المعاناة، مستعملا السخرية بالمعاني المضادة للألفاظ على طريقة الفنان أحمد السنوسي “بزيز”، عندما قال: “ما يمكنش الحكومة تقول للمواطنين غادي ندير (التغطية) الصحية، وتْخلّي شركات المحروقات كدّير (التعرية) للمغاربة”، قبل أن يطلق “قنبلة ملكية” بالقول: “سيدنا سوّل أين الثروة، خصّكم تجاوبو على السؤال”…
ثم عاد المهاجري إلى صواريخ أرض جو، ليقول بمرارة: “إلى هاذ الشركات بغات تهيمن على كلشي، يرفعو الأجور! لكن الناس شادّة البحر، وشادّة السما، وبغاونا كاملين نخدمو عندهم بنفس الأجور”، وتابع باستنكار: “إلى عدنا مشكل فـبرامج الحماية الاجتماعية والسجل الاجتماعي الموحد، ماغادي يبقى عندنا وجه باش نقابلو المغاربة”…
في الواقع، هنا المشكلة، هنا الأساس، الذي يعكس التوجهات اللاشعبية للسياسات المعتمدة من قبل باطرون الحكومة، القائمة على تجميد الأجور، والزيادات الصاروخية في أسعار المحروقات، التي استتبعها، منطقيا، تضاعف موجة الغلاء، وسد الخصاص المهول في الموارد المالية لتأمين “التغطية” الصحية على ظهر المواطنين، وهذه هي “التعرية” الفعلية للمغاربة، الذين ترك أغلبيتهم المستضعفة “على الضص”، حتى ظهرت له الضرورة القصوى لتطبيق الدعم المباشر للمفقّرين…
هشام المهاجري نفذ بالحرف ما طلبه منه الملك محمد السادس عندما تكلم عن العمل النيابي بمناسبة ترؤسه افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية 2010-2011، وطلب الملك من الأحزاب والفرق النيابية، الأخذ بـ”حكامة برلمانية جيدة، عمادها التشبع بثقافة سياسية جديدة، وممارسة نيابية ناجعة، قائمة على تعزيز حضور الأعضاء، وجودة أعمالهم، ومستوى إسهامهم، في معالجة الانشغالات الحقيقية للشعب”.
وهي الوصية التي كان يوصي بها مُؤسس الحزب الذي ينتمي إليه لمهاجري، حيث كان فؤاد عالي الهمة يُؤكد على النواب الاشتغال “الند للند” مع الحكومة، من أي موقع كان، وهو ما فعله ويفعله بالحرف هشام لمهاجري، عكس محمد غيات الذي “باع” هذه الوصية بثمن بخس، وأصبح يُقبِّل كتف رئيسه عزيز أخنوش تحت قُبَّة البرلمان، فقط لأن أخنوش استقدمه من حزب البام ليمتهن الركوب على المبادرات الملكية ويُروج للأكاذيب.
نعم ما قاله هشام لمهاجري حول “بارون المحروقات “عازيد” أخنوش هو حقيقي سيدفع الثمن معه كل الذين يُشاركونه اليوم في هذه الحرب التي يشنّها على المغاربة… وهذه بعض عناصرها وعلاماتها الظاهرة:
أولا، قضية الدعم المباشر، الذي يضاعف اليوم الأزمة المالية الخانقة لميزانية الدولة، كان بالإمكان تدبير موارده في عهد حكومة بنكيران، لتكون بلادنا، اليوم، قطعت عدة أشواط وراكمت دروس تفعيل الدعم لعدة سنوات، مما سيمكّن البلاد، حاليا، من امتصاص المضاعفات وتدبير مخارج ومداخل التمويلات… لكن أخنوش رفض هذا الدعم بشدة وبتطرّف، حتى إن بنكيران اعترف، علنا، أن أخنوش مارس عليه الابتزاز لتوقيف الدعم المباشر كشرط للدخول معه في تحالف حكومي… واليوم، ها هو يجد نفسه مضطرا إلى تنفيذ مشروع الدعم المباشر، وسيكون الشعب، كما هو الحال دائما في مخططات باطرون الحكومة، هو من سيؤدّي الثمن…
ثانيا، كان من الممكن إيجاد مخارج مهمة جدا للأزمة المالية لتمويل ورش الحماية الاجتماعية، باعتباره ورشا يهمّ الأغلبية الساحقة من المغاربة، لكن أخنوش لا يهمه هؤلاء، لا يهمه الفقراء، بقدر ما يهمّه البحث عن كل المداخل لتسمين الأغنياء، وهذا ما فعله، مباشرة بعد أقلّ من شهرين من سيطرته على مقاليد رئاسة الحكومة، عندما قرّر، نهاية نونبر 2021، ضخ 13 مليار درهم لفائدة مقاولات القطاع الخاص، لأداء مستحقات الضريبة على القيمة المضافة!
1300 مليار سنتيم كان بإمكانها أن تحلّ المشكل، وأن تخفّف، ولو نسبيا، من الأوضاع الكارثية، التي ينهار إليها مستوى عيش المغاربة، أو على الأقل أن تمكّنه من الوفاء بوعوده الوهمية، التي ضحك بها على الذقون، من قبيل تقديم مدخول 1000 درهم للمسنين، وتقديم منحة 2000 درهم عن المولود الأول لكل امرأة، وتسليم مبلغ 300 درهم شهريا للأسر التي لديها طفل متمدرس، ورفع أجور المدرسين من 5000 درهم إلى 7500 درهم، وإحداث مليون منصب شغل… وغير ذلك من الوعود، التي تيقّن المغاربة، اليوم، بالملموس، على الأرض، أن أخنوش كذب عليهم، وأنه يشنّ حرب الأغنياء على الفقراء…
فبمجرد إحكام قبضته على الحكومة، واستعمال البام والاستقلال للسيطرة على مختلف المجالس المنتخبة، حتى شرع في تنفيذ مخططه الرامي إلى “استغلال المغاربة بشكل أحسن”، وهذا هو المعنى الحقيقي لشعاره “تستاهل أحسن”، الذي استغفل به كثيرا من المغاربة، الذين أوهمهم أنه سيوفّر لهم كل أسباب العيش الكريم والرغيد، فإذا به يطحنهم طحنا ومازال…
وعودا على بدء، إن ما قاله هشام المهاجري حول الشركات الكبرى، التي تقوم بالتعرية المجتمعية للمواطنين بالرفع من الأسعار وعدم الزيادة في الأجور، يجد كل جدارته ومصداقيته على أرض الواقع، والنموذج الفاقع هو شركات المحروقات، التي يُعتبر أخنوش مالكا لأكبر شركة في المغرب ورافضا متطرّفا لعملية التسقيف، والتي انفضح ما مارسته من تواطؤ لمضاعفة الاستفادة من تحرير أسعار المحروقات لتحقيق زيادات فاحشة في الأرباح… ويبقى السؤال الملكي مطروحا: “أين الثروة؟”، ويبقى رئيس الحكومة والملياردير وكبير تجار المحروقات في قفص اتهام الشعب وفي واجهة الأحداث والانحدارات… فهو على رأس “الحفنة” التي توعدها الملك محمد السادس بالعقاب بعدما قال عنها إنها “اغتنت غنى فاحشا، فيما ازداد باقي المغاربة فقراً مُدقعًا”…