ثقافة وفنونرأي/ كرونيك

عبدالرحمان غندور يكتب: رسالة إلى جسدي

أراك يا صاحبي، قد أدمنت الشكوى، وأصبحت تتغني بها ليلا ونهارا، وتوبخني على كل ما مارسته في حقك من إنهاك وإتعاب، وصل حد التعذيب أحيانا، طيلة رفقتنا في هذا العمر، بل قدمتك هدية للجلادين مرارا ليعبثوا بك دون رأفة. حتى أصبحت اليوم ترغمني على زيارة الأطباء ومراكز التحليلات والأشعة من أجل ترميم أعطاب لا مسؤولية لك فيها…

أقدر صبرك الكبير، وتحملك الرائع لكل جنوني وحماقاتي، وأثمن عاليا مساعدتك لي في تجاوز الكثير من المحن، وأنحني أمام قدرتك الهائلة على الممانعة والمقاومة الذاتية، وعلى قدرتك في الانتاج المستمر للمضادات الحيوية الطبيعية لكل ما تعرضت له من هجومات ميكروبية وفيروسية.


وفي نفس الوقت أعذرك اليوم على ما أصابك من وهن، فقد تحملت دائما، وأعفيتني كثيرا من زيارة المستشفيات والمصحات والمختبرات، ومرافقة الأطباء والصيادلة…


من حقك اليوم أن تشتكي، ومن حقك أن تعاتبني على كل ما اقترفته في حقك من ذنوب وآثام وجرائم، أثرت كثيرا على بعض الأجهزة وأضعفتها إلى حدود الوهن أو الإضراب عن ممارسة وظائفها.


لكن ليس من حقك أن تمنعني من المقاومة بشكل آخر، كما قاومت أنت بوسائلك الخاصة. وسأظل أعتمد على ما تنتجه من قوى سحرية والتي أستطيع مغازلتها بقوة إرادتي ورغبتي المستمرة في الحياة.
إني أسمع شكواك، وأحس بقسوتها، لكني أحيلها على هرموناتك السحرية التي يمكن أن أثير إفرازها بإرادة نفسية وعقلية… لللتخفيف من قسوة الألم والشكوى، وبلوغ حد أدنى من الرضى والارتياح. ومن أهمها: السيروتونين Serotonin . الاندروفين Endorphins. الدوبامين Dopamine. الجريلين Garline. الأوكسيتوسين Oxytocin.


لن أستسلم لشكاويك، يا صديقي اللصيق، ولن أخضع لما تمليه من حالات القنوط واليأس، وفقدان الرغبة في الحياة…
لا بد من المقاومة والتشبث بالحياة….


المرض حالة عابرة أو ممتدة، والموت نهاية طبيعية محتومة ….وبينهما تبقى الحياة حقيقة مستمرة…
سينبض القلب حتى يرجف رجفته الأخيرة، وهو سعيد باسترجاع ما في الحياة من جمال…


ستسري الحياة في الشرايين والأوردة، بدماء المحبة والحق والخير والجمال، حتى ترى اندحار الكره، وزهوق الباطل، واندثار الشر، وموت القبح… وفي ذلك أعظم أسرار البقاء….


لن يحكم المرض علينا بالموت قبل الأوان…..نستطيع أن نهزم المرض دون ادعاء الانتصار على الموت….ليس من حقنا أن نتوهم صراعا بينا و بين الموت، ونحن نعلم أن الانتصار من نصيب الموت في النهاية… الصراع الحقيقي هو في استمرار الحياة والحلم والأمل قبل الموت وبعده

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى