إ
أصدرت لجنة “نداء طاطا” بلاغاً يخلط بين الشجب والتساؤل، ليُظهر كيف يمكن للإحصاء أن يتحول إلى معركة بقاء، ليس فقط ضد الطبيعة، بل أيضاً ضد عقلية إدارية يبدو أنها مصممة لتجعل الضحية يتمنى لو أنه لم ينجُ أصلاً.
أبدت اللجنة استيائها من “النواقص” المسجلة خلال عملية إحصاء المتضررين من السيول، مشيرةً إلى أن القصور الذي شاب هذه العملية، يعمق من فصول المأساة والتجاهل والتهميش…
“في كل مرة تبتسم فيها السلطة، هناك قريةٌ تبكي”، هكذا بدأت قصة إحصاء المتضررين من السيول في إقليم طاطا، القصة التي لا تحتاج إلى دراما تلفزيونية أو كاميرات عالية الجودة، يكفي أن تنظر في عيون المتضررين لترى القهر والغب
لم يتردد رشيد البلغيتي، منسق لجنة “نداء طاطا”، في وصف هذه العملية بأنها “غير منسجمة”، ربما في محاولة دبلوماسية للحديث عن العبث الواضح، فالعملية التي يُفترض أن تكون دقيقة وعادلة تحولت إلى ملهاة بيروقراطية، فبينما يتم إحصاء بعض المنازل بدقة أشبه بجراحٍ ماهر تحت إشراف مختلف الفاعلين ، يتم تجاهل منازل أخرى وكأنها غير موجودة، او تم الاكتفاء بصور عبر هاتف عون السلطة.
“دوار يغرتن” يعد مثال صارخ لنقص الكفاءة في تقييم الأضرار، حيث أن بعض منازلهم التي دُمرت بالكامل تم إحصاؤها كمتضررة جزئيًا.
ولكن السخرية لا تتوقف هنا. فقد أشار البلاغ أيضًا إلى “غياب المخاطب الرسمي” في الإقليم، وكأن السلطات المحلية قررت الانسحاب بهدوء من المشهد، تاركة المجال مفتوحًا أمام الاحتقان الاجتماعي، كما يبدو أن الاقتراحات التي قدمها الفاعلون المدنيون لتجاوز الأزمة قد سقطت في آذان صماء، مما يزيد من تعقيد المشهد ويترك الضحايا في انتظار الفرج، الذي قد يأتي أو لا يأتي، حسب مزاج العواصف القادمة أو “مزاج” لجان الإحصاء.
لم تأتِ السيول الجارفة التي ضربت الإقليم فقط بالماء والطين، بل كشفت أيضًا عن قصورٍ من نوع آخر، قصور في التواصل، وفي الشفافية، وفي التعامل الجدي والمسؤول مع الأزمات. وكأن السيول لم تكن كافية لتتحملها القرى المتضررة، بل كان لابد من إضافة جرعة من الإهمال وعدم الاكتراث لزيادة تعميق المأساة.
ما يجري في طاطا في نهاية هذا التعاطي من طرف ببساطة من طرف مسؤولي الدولة، ليس إلا مسرحية مبكية في فصولها وحزينة في وقائعها، حيث يصبح المواطنون أرقاماً ناقصة في سجلات فارغة، في انتظار جولة جديدة من الأخطاء البيروقراطية التي تبدو أنها باتت أكثر فأكثر جزءاً من نسيج وبنية الحياة العامة.