إعادة المهاجرين “غير النظاميين” و تعقيدات إعادتهم..الموضوع “الشائك” في زيارة ماكرون للمغرب
كان الرئيس الفرنسي حذرًا في إشارته إلى موضوع الهجرة غير النظامية خلال زيارته إلى المغرب الأسبوع الجاري. إنه بكل موضوعية الموضوع الشائك، الذي طالما شكل مصدر توتر وخلاف بين البلدين، لم يجر تجاهله كليًا، لكنه لم يحظَ، على الأقل بصقة غلانية، بنفس الزخم الذي صاحب ملفات أخرى، مثل الصحراء المغربية والتعاون الاقتصادي الثنائي.
قدّر إيمانويل ماكرون، أن “الشراكة الاستثنائية المعززة التي أبرمت مع العاهل المغربي يجب أن تتعلق بشكل خاص بـ”الهجرة غير الشرعية وضرورة التعاون الطبيعي والمرن في المسائل القنصلية”.
اعتبر مراقبون، أن هذا لا يعني بالضرورة طي صفحة الملف وتجميد الحديث بشأنه، خاصة في ظل حكومة فرنسية ذات منحى يميني وفي ظل وزير داخلية معين برونو ريتايو لا يتردد للحظة في إعلان تشبثه بضرورة ترحيل المهاجرين المغاربيين غير الشرعيين والضغط على بلدانهم من أجل استقبالهم.
أكد ريتايو على أهمية تعزيز التعاون في قضايا الهجرة، وقال خلال المؤتمر الصحفي الذي شارك فيه إلى جانب نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت إن لديه رغبة في تحقيق نتائج ملموسة بشأن إعادة المهاجرين “غير الشرعيين”، مشددًا على أهمية الشراكات الثنائية. كما تحدث عن ضرورة معالجة قضايا مثل الاتجار بالبشر والمخدرات.
و يسعى وزير الداخلية الفرنسي الجديد، برونو ريتايو، إلى ربط سياسة التأشيرات بإصدار تصاريح المرور القنصلية، وهي وثائق أساسية لإعادة الأجانب إلى بلادهم.
يشار في هذا الصدد، أنه وفي أكتوبر، ضرب الوزير مثالا بالمغرب، وقال إن 238,000 تأشيرة مُنحت للمغاربة في عام 2023، لكن فقط 1680 من المهاجرين غير النظاميين منهم تم ترحيلهم قسرا. واعتبر أن المغرب “بلد آمن” يمكن تسريع عمليات إعادة القبول فيه.
ما أعلنه ويعلنه وزير داخلية فرنسا، يأتي في سياق جدل يثار من جديد عندهم في فرنسا، حول قضية ترحيل المهاجرين في وضعية غير قانونية، خاصة بعد توقيف مغربي يُشتبه في قتله لطالبة في سبتمبر 2024، وكان قد صدر بحقه أمر بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF). في مقابل الدعوة إلى سياسة حازمة بشأن “الهجرة غير الشرعية”، التي دعا بخصوصها ماكرون نفسه و أمام البرلمان المغربي إلى “وضع أسس حركة طبيعية للأشخاص” لتعزيز التعاون في مجال البحث عن المشاريع وإنشاء الشركات، باعتبارها فرصًا متاحة لأصحاب المواهب.
وتابع ماكرون أنه قد جرى اتخاذ مبادرات مرحب بها مؤخرًا، خصوصًا للطلاب المغاربة الذين درسوا في فرنسا، والذين أصبحوا يحصلون تلقائيًا على تأشيرة متعددة الدخول، مشيرًا إلى رغبته في تنفيذ مشروع تجريبي مع المغرب في هذا الشأن دون الكشف عن تفاصيل إضافية.
بدأ الخلاف حول ملف الهجرة غير النظامية بين باريس والرباط قبل أكثر من عامين، حين أعلنت السلطات الفرنسية في سبتمبر 2021، عن تقليص كبير في عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني الجزائر والمغرب وتونس، مؤكدة حينها أن هذه الدول لا تتعاون في قبول المواطنين الصادر ضدهم قرار بالترحيل.
ومع تصاعد التوترات، عبر المسؤولون المغاربة عن استيائهم من القرار، معتبرين أن كثيرًا من هؤلاء لا يتوفرون على وثائق تثبت هويتهم وبعضهم يزعم أنه مغربي رغم أنه ليس كذلك. وفي عام 2022، وبعد مفاوضات مطولة، استأنفت فرنسا والمغرب العلاقات القنصلية الطبيعية، مما أدى إلى تخفيف بعض التوترات الناتجة عن النزاع حول التأشيرات.
حسب وزارة الخارجية الفرنسية، حصل المغاربة في عام 2023، على حوالي 238,000 تأشيرة من فرنسا، فيما كان عدد المرحلين منخفضًا بشكل ملحوظ، حيث تم تنفيذ حوالي 1,680 عملية ترحيل فقط.
ريتايو كان تعهد بجعل الملف محور اهتمامه منذ توليه المنصب الوزاري، ومن الرباط، حرص إلى جانب نظيره المغربي على أن يبدي رغبته في تحسين الوضع، فقال “فيما يتعلق بإعادة المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني، لدينا إطار وإجراءات. اتفقنا على تحسينها لتقليل المهل الزمنية ولتحقيق نتائج أفضل من حيث عدد الأشخاص المرحلين. وقد اتفقنا مع نظيري على متابعة هذه القضية بشكل مباشر على مستوانا”.
وكان صرح وزير الخارجية، ناصر بوريطة، في وقت سابق و خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة الإقليمية الإسبانية لجزر الكناري، فرناندو كلافيخو، قائلا: “المغرب مستعد لاسترجاع كل مهاجر غير شرعي ثبت أنه مغربي وغادر من التراب المغربي”. وأضاف متسائلا: “المغرب مستعد، لكن هل الطرف الآخر قادر على القيام بذلك؟”.
جدير بالذكر أن المشتبه به الرئيسي في قتل الطالبة البالغة من العمر 19 عاما، والتي عثر على جثتها مدفونة في غابة بباريس، قد تم توقيفه في سويسرا. وهو شاب مغربي يبلغ من العمر 22 عاما، وكان قد أدين سابقا عام 2021 بتهمة الاغتصاب.
ووفقا لمصادر قضائية، لم تستجب السلطات المغربية لطلبات متعددة من فرنسا للمصادقة على تصريح مرور قنصلي. غير أن المغرب أكد أن الطلب لم يصدر عن الجهة المختصة في فرنسا.
وكان أوضح وزير الخارجية المغربي قائلا: “إذا كان المهاجر لا يعود، فليس ذلك بسبب المغرب، بل بسبب تعقيدات لدى الطرف الآخر”، داعيا إلى إيجاد حلول للثغرات في القوانين والإجراءات.
كما أشار بوريطة إلى وجود توجيهات واضحة للسلطات المغربية للتعاون مع فرنسا وإسبانيا لإعادة القاصرين غير المصحوبين بذويهم، معتبرا أن العراقيل لم تنشأ من جانب المغرب، بل من إجراءات هاتين الدولتين.
وانتقد الوزير المغربي أولئك الذين يستغلون قضية الهعجرة في اوربا “لحسابات سياسية”.
في سياق متصل، كان وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، قد صرح في مطلع أكتوبر برغبته في تمديد المدة القصوى لاحتجاز المهاجرين غير النظاميين، وربط “سياسة منح التأشيرات بإصدار تصاريح المرور” القنصلية.
وأشار روتايو إلى أن فرنسا “سخية جدا دون مقابل”، موضحا أنه في عام 2023، منحت المغرب 238,750 تاشيرة دخول، بينما لم تحصل سوى على “725 تصريح مرور”.
تأخيرات واصطدم بتعقيدات الواقع
رغم وجود اتفاقيات بين فرنسا والمغرب تتعلق بإعادة المهاجرين غير الشرعيين، فإن تطبيقها طالما عانى من تأخيرات واصطدم بتعقيدات الواقع.
نقلا عن موقع “عربي بوست”، ترى الكاتبة الصحافية مارين ليمير أن “الهجرة غير الشرعية” ليست مجرد مسألة أمنية، بل هي نتيجة لفشل السياسات الاقتصادية في المغرب، داعية إلى ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة.
في تعارض مع هذا الرأي، ووفق المصدر ذاته، ذهب الخبير الفرنسي في قضايا الهجرة جوزيف فاندير إلى اتهام فرنسا بتحمل جزء من المسؤولية في التعامل مع المهاجرين، مؤكدًا أن تحسين سياسات الاندماج يوفر فرصًا حقيقية للمهاجرين ويقلل من عدد المهاجرين غير الشرعيين.
من جملة التعقيدات في الموضوع، ما أورده المحلل الاقتصادي فرانسوا دوفو، حين قال، إن التحويلات المالية التي يرسلها المغاربة من فرنسا إلى ذويهم، تلعب دورًا مهمًا في دعم الاقتصاد المغربي. هذه العلاقة وفق رأيه تجعل من الضروري النظر إلى الهجرة كمشكلة معقدة.