حكومة على عجلات النفط: أو حين يصبح البرلمان كــأنه “كراجًا” لرئيس المستثمرين بالقطاع
كان من المفترض أن يكون البرلمان قلعة التشريع وصوت الشعب، ولكن يبدو أن لوبي النفط قرر هذه المرة استئجارالطابق العلوي، وربما بعض من اهَم المقاعد في الجلسات البرلمانية، في مشهد أشبه بملحمة تليق برواية جورج أورويل، حيث اجتمع البرلمان المغربي ليصادق على تأجيل تطبيق نظام العلامات الضريبية على المنتجات البترولية حتى عام 2026، و يرجع الفضل في ذلك لأصحاب الشركات النفطية الذين نجحوا في إقناع ممثلي الأمة، ليس فقط بتأجيل تطبيق نظام العلامات الضريبية إلى عام 2026، بل بإظهار كيف يمكن للاقتصاد أن يصفع الديمقراطية على وجهها، ثم يطلب منها الوقوف مجددًا لتلقي الصفعة التالية.
المشهد الأول: البرلمان بين المطرقة وسندان البترول
تعود بداية المشهد إلى صيف 2024، حيث قررت الدولة القيام بخطوة جريئة تمثلت في فرض نظام العلامات الضريبية على المنتجات البترولية، بهدف محاربة التهريب والتزوير وحماية المستهلك، ولكن، وقبل أن نرفع القبعة لهذه الخطوة، يطل علينا “لوبي قطاع الهيدروكربونات”، معلنًا أن النظام الجديد يعاني من “مشاكل تقنية”، وبينما كنا نتوقع أن البرلمان سيقف صامدًا مثل جبل طارق، تفاجأنا بأن الجبل أطلق زفيرًا وتحول إلى تل رخو، وبلمسة ساحرة من خلف الكواليس، يُعلن أن “التحديات التقنية” تفرض تأجيل التطبيق إلى 2026.
ما هي هذه التحديات؟ لا أحد يعلم، ولكن يبدو أن أعضاء البرلمان اقتنعوا تمامًا بأن المصفاة التي تُعالج النفط يمكنها هضم البنزين بسهولة، لكنها لا تستطيع ابتلاع “علامة ضريبية”!
المشهد الثاني : لوبي النفط يكتب السيناريو
في هذا البلد، حين نتحدث عن “التحديات التقنية”، يجب أن نقرأها بمعناها الحقيقي: “لا نريد أن نخسر أرباحنا”.
أصحاب قطاع الهيدروكربونات، الذين يبدو أنهم أذكى حتى من الحكومة نفسها، عرفوا جيدًا من أين تُؤكل الكتف، دخلوا البرلمان ليس بصفتهم مجرد مشغلين اقتصاديين، بل كأصحاب البيت، وأقنعوا المشرعين بأن النظام الجديد سيُسبب “اختناقًا في الأنابيب” أو ربما “أزمة فيزيائية في فهم العلامات الكيميائية”.
و لتبسيط المشاهد : عندما يجتمع المال والسلطة في شخص واحد، لا تحتاج إلى سيناريو خيالي للفهم، لأن الواقع يفوق الخيال غرابة، في المغرب، لا يبدو أن البرلمان مجرد مؤسسة تشريعية، بل أقرب إلى كراج صغير تُركن فيه مصالح رجال الأعمال، خاصة إذا كان أحدهم رئيس الحكومة نفسه، وصاحب الاستثمارات الكبرى في قطاع المحروقات، بالمعادلة بسيطة: ما هو جيد للأعمال، يُترجم فورًا إلى “قرار سياسي حكيم”، وهكذا، بينما كانت الحكومة تدّعي العمل لصالح المواطن، كان رئيسها يُمرر ملفًا يجعل من شركاته النفطية الفائز الأول.
فقرار التأجيل يعني أن تهريب الوقود سيستمر، يعني أن الرقابة ستبقى مجرد حلم، والشركات الكبرى ستواصل جني الأرباح دون حسيب أو رقيب، أما المواطن، فهو ضيف غير مدعو إلى هذا العرس، ولكنه مطالب بدفع تكاليفه.
في هذا السياق تتجلى الحقيقة المُرة: البرلمان، تحت قيادة حكومة يمثل رئيسها رأس المال، لم يكن سوى شاهد زور في مسرحية هزلية، و بدلًا من الدفاع عن مصلحة المواطن، اختار أعضاؤه الاستماع إلى إملاءات النفوذ الاقتصادي، تاركين المواطن يدفع الثمن.
فقرار تأجيل تطبيق نظام العلامات الضريبية ليس مجرد خطوة تقنية أو حتى اقتصادية، بل هو شهادة وفاة للديمقراطية، التي تبدو عاجزة أمام زواج السلطة بالمال.
لقد أثبتت هذه القضية أن السياسة في المغرب لم تعد تُدار من خلال صناديق الاقتراع، بل من خلال دفاتر الشيكات، فالقرارات تُصنع في مكاتب الشركات الكبرى، وتُمرر عبر البرلمان، الذي يبدو أنه فقد وظيفته الأصلية، وتحول إلى مجرد شاهد زور في هذا الزفاف غير الشرعي.
لتتبخر أحلام الديمقراطية شيئًا شيئًا، بين رئيس حكومة يجمع بين السلطة والثروة، وبرلمان يصفق بدل أن يشرّع، ومواطن يكتفي بمشاهدة المشهد من بعيد، ربما لم تعد الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب، بل حكم اللوبيات للشعب، مع بعض الاستعراضات المسرحية في قبة البرلمان.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سنشهد مستقبلًا يُعلَن فيه البرلمان كفرعٍ جديد لمجموعة شركات رئيس الحكومة؟ أم أننا سنرى صحوة ديمقراطية تعيد للمؤسسات استقلاليتها؟ الإجابة، حتى الآن، تبدو بعيدة المنال، خاصة أمام عجز سياسي واضح للحركة السياسية والحزبية وللتعبيرات المجتمعية، وأمام حقل سياسي يزداد يوما على يوم حالة إعلاق.