الرئسيةثقافة وفنوندابا tvشواهد على التاريخ

تزايدت صادراته ب 68% لأمريكا و18% لأوربا..”الزليج” الفاسي تراث عريق يزدهر بالمغرب رغم التحديات+فيديوهات

رويترز/ تبدو مدينة فاس وهي تطل من على ربواتها كشيخ جليل متشح بالبياض؛ ففي كل ركن وزاوية من أزقتها العتيقة يحدثك التاريخ وتقف الذاكرة شاهدة على حضارة وعراقة المدينة متجلية في معمارها وقصورها البديعة، التي تصنفها منظمة اليونسكو تراثا إنسانيا عالميا.

ولعل ما يصنع فخامة معمارها القديم وقصورها هو “الزليج” التقليدي بلمسة فاسية تختلف عن “الزليج” في تطوان أو مراكش.

فالزليج -الذي لا يزال يصنع يدويا بدقة ومهارة عاليتين- لم يخفت الطلب عليه سواء داخليا أو خارجيا، أمام مغريات الحياة العصرية، بل كما يقول محمد بن غالي التحيفة -وهو مختص في فن الزليج ورئيس سابق لغرفة الصناعة التقليدية بفاس- “الزليج له زبائن متميزون، ليس الأثرياء فقط نظرا لكلفته، بل أيضا من ذوي الثقافة”.

ازدهار الحرفة

تزايدت صادرات الزليج من المغرب في الفترة من 2016 إلى 2022، وتأتي الولايات المتحدة على رأس المستوردين بأكثر من 68%، وتليها الدول الأوروبية بنحو 18% من إجمالي الصادرات.

وعرف القطاع -حسب إحصاءات رسمية- “تطورا اقتصاديا واجتماعيا وتقنيا متميزا في العقود الأخيرة، حيث انتقل عدد الصناع من 2400 في العام 2005 إلى أكثر من 6300 في 2022، أي بزيادة 160%”.

كما تضيف الإحصاءات نفسها أن عدد ورش صناعة الزليج “كان محدودا عند 78 في 1995 لتبلغ 197 في 2005، ثم إلى 246 في 2022، أي بزيادة 215%”.

وشكلت الصادرات من الزليج 82% من صادرات الصناعة التقليدية بفاس خلال 2020؛ إذ بلغت 57.9 مليون درهم (نحو 6 ملايين دولار).

وأفادت غرفة الصناعة التقليدية في فاس بأن القطاع “لم يتأثر بتداعيات جائحة كورونا، بل على العكس من ذلك عرف تطورا وإقبالا كبيرين في مجموعة من الدول، خاصة الولايات المتحدة التي تحتل الصدارة في استيراد زليج مدينة فاس”.

زليج بعبق التاريخ

تغير الزليج الفاسي عبر التاريخ منذ تأسيس المدينة عام 172 هجرية (789 ميلادية)، وتحول من قطع فسيفساء بسيطة في زخارفها وألوانها إلى قطع بأشكال هندسية بديعة ومنمقة تصل أحيانا إلى درجة التعقيد، مع ألوان متناسقة بين درجات الأخضر والأزرق والأحمر، إذ شهد الزليج الفاسي تطورا في شكله وألوانه في فترة حضارة الأندلس.

وما يميز زليج فاس عما يصنع في تطوان هو حجم القطع التي تتميز بأحجامها الصغيرة والدقيقة التي تأخذ شكل نجمات صغيرة ومستطيلات تتشكل في ما بينها وتترتب بشكل هندسي دقيق.

ويقول منير أقصبي أستاذ التاريخ والآثار بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس والمفتش السابق للمباني التاريخية بفاس إن هذه الصناعة “عرفت تطورا كبيرا في عهد المرينيين (الذين حكموا المغرب في الفترة من القرن 13 إلى القرن 15 الميلادي)”.

واستشهد بالمؤرخ المغربي الحسن الوزان “الذي يتحدث عن ازدهار هذه الصناعة بشكل غير مسبوق بفاس، والمدارس والجوامع التي ترجع لهذه الفترة خير دليل”.

وأضاف أن “الزليج من الوعاءات المهمة إلى جانب الجص والخشب التي أبدع في تشكيلها الصانع الفاسي، فلا تكاد تخلو أية بناية تاريخية بالمدينة من وحدات الزليج التي تغطي الجزء الأسفل من الواجهات التي تحيط بالفناءات سواء في المساجد أو المدارس أو المنازل أو الأضرحة أو الزوايا، وعليها نقشت الأدعية والآيات القرآنية بأنواع من الخطوط، خاصة الخط المغربي الذي زينت أحرفه بتشكيلات نباتية، وخير مثال على ذلك ضريح مولاي إدريس مؤسس مدينة فاس”.

تحديات

يقول التحيفة إن ما يمز الزليج الفاسي هو مادته الطينية المصنوع منها “إذ لا نجد هذا النوع من الطين إلا في ضواحي فاس، وهو يتمز بليونته وصلابته، فهو لين وطيع في أنامل الصانع الفاسي الماهر”.

وأضاف -من معمله في منطقة عين النقبي بضواحي فاس- “الزليج الفاسي لا يزال يصنع بالطريقة التقليدية نفسها، وبالمواد نفسها، خاصة الطين الفاسي، إلا أنه تمت إضافة بعض الأكسيدات (تفاعلات كيميائية) كأكسيد النحاس (اللون الأخضر) والكوبالت (الأزرق) والحديد (اللون الأحمر)”.

ويفترش الصانع عبد الحق الكوبي الأرض وهو يرص قطع الزليج الصغيرة إلى جانب بعضها البعض في احترام لشكل هندسي دقيق رسمه مسبقا على ورق.

وتركب القطع بشكل مقلوب تكون واجهة الزليج للأسفل وظهرها للأعلى، ويقول “إنجاز متر من الزليج يتطلب يوما كاملا”.

ويقول -وهو يتابع عمله بتركيز شديد- “هنالك زخارف سهلة وأخرى معقدة وصعبة جدا، وأي خطأ قد يفسد الزخارف”.

وبجانبه جلس عامل كان يشذب القطع من خلال “المنقاش”، وهي آلة تشبه المطرقة حادة من الجانبين تساعده في نحت القطع بدقة متناهية.

ويقول أحمد الحكيم -وهو صاحب معمل في منطقة عين النقبي- “سعر الزليج الغالي في السوق أعاد له قيمته، بعكس بعض الصناعات التقليدية التي هُمشت”. وأشار إلى أن سعر المتر الواحد يتراوح بين 600 و7 آلاف درهم.

غير أنه بالرغم من الازدهار فهذه الحرفة تواجه تحديات كبيرة، منها نقص المواد الأولية، علاوة على عدم وجود جيل من الحرفيين الصغار. ويقول الناجي الفخاري -وهو مستشار سابق وعضو مجلس جهة فاس وبرلماني سابق مهتم بالقطاع- “بعض الدول تدرّس مثل هذه الحرف في المدارس، نحن نضمن الاستمرارية ما دام هناك إقبال. لا بد من استمرار التكوين في هذا المجال”.

وقال “هذه عراقيل يمكن تخطيها ما دام الطلب على هذه الصناعة الفنية قائما، وذلك عن طريق تضافر جهود جميع الفاعلين. يجب أن تلقن مثل هذه الحرف في المدارس والمؤسسات التعليمية أو مؤسسات التكوين المهني”.

المصدر : رويترز وقنوات الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى