التقارير الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أكدت تجاوز نسبة البطالة بين الشباب 25% في بعض المناطق، بينما بلغت بين حاملي الشهادات العليا أكثر من 17%، وهو ما يعكس أزمة عميقة في سوق الشغل ويضع تحديات كبيرة أمام الحكومة.
ويوجه للحكومة الحالية، بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، انتقادات واسعة بسبب ما يعتبره البعض ضعفاً في السياسات الاقتصادية، بالرغم من تبرير مسؤولوا الحزب الحاكم أن الأزمة تعود إلى تداعيات الجائحة والأزمات الاقتصادية العالمية، مؤكدين التزامهم بتنفيذ برامج لتحفيز الاستثمار الخاص ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها آليات رئيسية لتوفير فرص العمل.
و يتهم حزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة السابقة، الحكومة الحالية بعدم امتلاك رؤية شمولية لمواجهة هذه الأزمة. ودعا مسؤولوه إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية وتنشيط القطاعات الإنتاجية كالصناعة والفلاحة، مشيرين إلى أن الحلول المقدمة تفتقر إلى الاستدامة وتستهدف فقط معالجة الأعراض دون معالجة الأسباب الجذرية للبطالة.
وانتقد حزب التقدم والاشتراكية بشدة ما وصفه بـ”الإخفاق الكبير” للحكومة في التعامل مع أزمة البطالة التي بلغت مستويات غير مسبوقة، واصفاً الوضع الحالي بأنه النقطة الأكثر سواداً في الأداء الحكومي، خاصة على الصعيد الاقتصادي.
واعتبر الحزب أن الحكومة الحالية فشلت في تقديم حلول حقيقية وجذرية للحد من البطالة، مشيراً إلى أن السياسات المعتمدة تفتقر إلى رؤية استراتيجية قادرة على استيعاب التحديات الراهنة.
وأكد تقرير صادر عن اجتماع للجنته المركزية في دورتها الخامسة المنعقد امس الأحد، أن الأرقام القياسية لمعدلات البطالة، خصوصاً بين الشباب وحاملي الشهادات العليا، تعكس غياب سياسات تشغيل فعالة وضعفاً في ربط التعليم بسوق العمل، ما يفاقم الإحباط لدى فئات واسعة من المجتمع.
وشدد التقدم والاشتراكية في التقرير ذاته، على أن الحكومة مطالبة بالتحرك العاجل لمعالجة الأزمة من خلال إطلاق مشاريع تنموية كبرى، وتعزيز الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والفلاحة، والعمل على تحسين مناخ الأعمال لجذب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية. كما دعا إلى اعتماد إصلاحات هيكلية في منظومة التعليم والتكوين المهني لضمان تأهيل الكفاءات الوطنية وتلبية احتياجات سوق الشغل.
ورأى الحزب أن البرامج الحكومية الحالية، مثل “أوراش” و”فرصة”، لا تعدو أن تكون حلولاً مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة، مؤكداً أن معالجة البطالة تتطلب رؤية شاملة تقوم على دعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر النمو، مع تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان فرص شغل مستدامة لجميع الفئات.
هذا وانتقدت أحزاب المعارضة اليسارية، وعلى رأسها حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، بشدة النموذج الاقتصادي القائم، معتبرة أن السياسات النيوليبرالية تزيد من تفاقم البطالة والتفاوت الاجتماعي.
وأكدت قياداتها أن غياب الاستثمارات في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والطاقة يمثل عائقاً حقيقياً أمام أي تنمية اقتصادية مستدامة.
ومن جهتهم يرى خبراء الاقتصاد أن ارتفاع البطالة يعكس ضعفاً هيكلياً في سوق الشغل، مشددين على الحاجة إلى تحسين مناخ العمل ، وتنويع الاقتصاد، وربط التعليم بسوق العمل من خلال تكوين الشباب بمهارات تتناسب مع متطلبات السوق.
كما دعوا إلى تعزيز الاستثمارات الكبرى في القطاعات الاستراتيجية وإيجاد حلول طويلة المدى تسهم في تقوية الاقتصاد الوطني.
تراهن الحكومة الحالية على برامج مثل “أوراش”و”فرصة” لتقليص معدلات البطالة، لكن هذه المبادرات تواجه انتقادات واسعة لكونها تركز على المدى القصير دون معالجة الأسباب العميقة للأزمة، ناهيك عن سبل تنفيذها الذي يفتقد للشفافية والوضوح،
ومع استمرار الأزمات الدولية والتحديات الاقتصادية، يبقى تحقيق التوازن بين خلق فرص العمل المستدامة وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل تحدياً رئيسياً أمام صناع القرار.