
بدأ قضاة المجلس الأعلى للحسابات في تنفيذ مهام رقابية شاملة على أكثر من ثلاثة آلاف جمعية تُمارس أنشطتها في مجالات متنوعة، وتستفيد من دعم مالي عمومي كبير، سواء من الجماعات الترابية أو من مؤسسات الدولة.
تهدف التحقيقات إلى تدقيق المستندات المالية والوثائق المتعلقة بصرف مبالغ مالية تجاوزت 700 مليون درهم (أي ما يعادل 70 مليار سنتيم)، وهي الأموال التي تم تخصيصها بموجب اتفاقيات موقعة مع الجهات المانحة.
و يمنح قانون المجلس الأعلى للحسابات، إلى جانب المجالس الجهوية للحسابات، صلاحيات واسعة في مراقبة مالية الجمعيات التي تتلقى تمويلات عمومية من الدولة أو من الهيئات المحلية أو أي مؤسسة عمومية أخرى، مما يستوجب شفافيتها في إدارة هذه الأموال، ويرتكز الفحص الحالي بشكل خاص على جمعيات تعمل في ميادين تنمية الرياضة النسائية، التنشيط الثقافي، والتطوير السياحي في المناطق النائية التي تمتلك إمكانيات سياحية، وهي مشاريع تحظى بدعم حكومي ضخم.
و تهدف التحقيقات التي يقودها القضاة إلى التأكد من مدى تحقق الأهداف المحددة في الاتفاقيات المبرمة بين الجمعيات والممولين، بالإضافة إلى فحص دقيق للطرق المتبعة في صرف الاعتمادات المالية، و يشمل هذا التدقيق فحص الفواتير، ووثائق المحاسبة الخاصة بهذه الأموال، بهدف التأكد من صحتها وملاءمتها لأغراض الدعم المخصص.
ووفقًا للمصادر ذاتها، تركز هذه التحقيقات على الجمعيات التي استفادت من دعم عمومي في السنوات الماضية، وهي جمعيات ملزمة بالقانون بتوفير محاسبة دقيقة وشفافة تعكس حالتها المالية الحقيقية، كما يفرض القانون على الجمعيات التي تتمتع بصفة المنفعة العامة، أن تحتفظ بسجلات محاسبية منسقة وواضحة، تشمل القوائم المالية والوثائق المبررة للإنفاق، لمدة خمس سنوات،و يتعين عليها تقديم تقرير سنوي إلى الأمانة العامة للحكومة، مرفقًا بتصديق من خبير محاسبي معتمد.
من جهة أخرى، يعكف قضاة المجلس على تدقيق النفقات الخاصة بجمعيات لا تحمل صفة المنفعة العامة، وهو ما يتطلب مقارنة مستفيضة بين حجم الإنفاق وحجم الإنجازات المحققة. وأظهرت التحريات الأولية اختلالات كبيرة في تدبير هذه الجمعيات لميزانياتها، إذ تبين أن بعض الجهات المانحة لا تواكب بشكل كافٍ طرق صرف التمويلات المقدمة لها، ما يفتح المجال لوجود تلاعبات في الفواتير والوثائق المحاسبية، و في بعض الحالات، تبين أن بعض الفواتير قد تم تزويرها من قبل موردين متورطين في عمليات المتاجرة بالفواتير المزورة.
التحقيقات أظهرت أيضًا وجود خروقات واضحة في طرق تدبير الميزانيات من قبل بعض الجمعيات، حيث تبين عدم التزامها بالقوانين والإجراءات المحاسبية المعمول بها.
وفي نفس السياق لم تتمكن الجمعيات في العديد من الحالات، من تقديم الوثائق اللازمة لتبرير نفقاتها، وهو ما يعكس وجود خلل كبير في إدارتها المالية.
هذه النتائج تشكل إشارة واضحة إلى ضرورة تعزيز الرقابة والتدقيق في كيفية تخصيص وتوزيع الدعم العمومي الموجه إلى الجمعيات.
تمثل التحقيقات التي يقودها المجلس الأعلى للحسابات خطوة نحو ضمان الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العمومية، كما أنها تؤكد على أهمية المراقبة المستمرة لضمان أن هذه الأموال تُستغل بالشكل الصحيح، بما يعود بالنفع على المجتمع ويسهم في تحقيق الأهداف التنموية المرجوة.